كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

4327 - وفي رواية عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة ملحان خالة أنس فوضع رأسه عندها. وساق الحديث بمعنى حديث إسحق بن أبي طلحة ومحمد بن يحيى بن حبان.

-[المعنى العام]-
كان للعرب في الجزيرة العربية رحلتان، رحلة الشتاء، ورحلة الصيف، إلى الشام، وإلى اليمن، وهما في البر، حتى حين يستخدمون طريق ساحل البحر الأحمر يخافون البحر، ينظرون إلى السفن الجاريات فيه نظرة خوف وخطر، فالقرآن الكريم يقول {إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور* أو يوبقهن بما كسبوا} [الشورى: 33، 34].
وما لهم ولهذا المجهول؛ إن عندهم سفينة الصحراء، الإبل، مأمونة الجانب، نادرة الخطر، ولم يكن صلى الله عليه وسلم من رواد البحار، بل روي أنه نهى عن ركوب البحر، ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركوب البحر، وحاول معاوية وهو أمير الشام من قبله أن يستأذنه في الغزو في البحر، فمنعه، فلما كان عثمان رضي الله عنه ألح عليه أن يأذن له، فأذن له بشرط أن لا يجبر أحدا على الخروج معه.
مع هذه الصورة المخيفة عن البحر وأخطاره يخبر صلى الله عليه وسلم أن أمته ستغزو بلاد الكفر عن طريق البحر، ينام فيرى في منامه، ورؤياه حق أن جنودا من أمته سيركبون البحر غزاة، وهم أعزة كالملوك على الأسرة، فيستيقظ مبتسما مسرورا، فتسأله أم حرام خالته أو أمه من الرضاعة، وكان قد نام نوم الظهيرة في بيتها، تسأله: ما الذي يضحكك يا رسول الله؟ فيخبرها عما رأى، فتقول له: ادع الله أن يجعلني منهم، فيدعو الله لها أن تكون منهم، فيعلمه ربه أنه استجاب دعاءه، فيقول لها: أنت منهم، وبعد قليل ينام ثانية، فيرى فرقة أخرى متأخرة زمنا من أمته تغزو بلاد الكفر، وهم في حالة القوة والسيطرة والتمكن، كأنهم ملوك على الأسرة، فيستيقظ ضاحكا، فتقول له أم حرام: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ فيقص عليها الرؤيا الثانية، فتتمنى أن تكون مع الفرقتين، ليزداد رصيدها من أجر الغزو، فتقول: ادع الله لي يا رسول الله أن أكون منهم، فيقول لها: لا لست من الآخرين، أنت من الأولين، ويستبعد الحال الواقع أن تدخل أم حرام بحرا، ويشاء السميع العليم أن تتزوج عبادة بن الصامت، فيخرج في جيش معاوية إلى غزو قبرص عن طريق البحر، فيأخذها معه، فتفتح قبرص للمسلمين، ويعود المسلمون في البحر إلى الشام، وتخرج أم حرام من البحر على ساحل الشام لتركب بغلتها، فتقع تحت أقدام بغلتها، فتدق عنقها، وتموت، فتقبر في حمص، يتبرك بها -ويقال عنه: هذا قبر المرأة الصالحة- رضي الله عنها.

الصفحة 577