كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

وقد أجمع المسلمون على أن من أكل متروك التسمية ليس بفاسق، فوجب حملها على ما ذكرناه، ليجمع بينها وبين الآيات السابقات وحديث عائشة، وحملها بعض أصحابنا على كراهة التنزيه، وأجابوا عن الأحاديث في التسمية أنها للاستحباب.
الثالثة: إذا أكل الكلب من الصيد، قال النووي: اختلف العلماء فيه، فقال الشافعي في أصح قوليه: إن قتلته الجارحة المعلمة من الكلاب والسباع، وأكلت منه فهو حرام، وبه قال أكثر العلماء، منهم ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن والشعبي والنخعي وعكرمة وقتادة وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وداود. اهـ.
وقال سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن عمر ومالك: يحل، وهو قول ضعيف للشافعي، واحتج هؤلاء بحديث أبي ثعلبة الخشني عند أبي داود، ولفظه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: كل وإن أكل منه" قال ابن حزم: هذا حديث لا يصح، وإن سلم به فهو لا يقاوم الذي في الصحيح، ولا يقاربه، وقيل: إن حديث أبي ثعلبة محمول على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه وفارقه، ثم عاد فأكل منه، فهذا لا يضر، ومنهم من حمله على الجواز، وحديث عدي على التنزيه، لأنه كان موسعا عليه، فأفتاه بالكف تورعا وأبو ثعلبة كان محتاجا، فأفتاه بالجواز.
واحتج الأولون بروايات عدي، وهي صريحة مقرونة بالتعليل، ففي الرواية الثانية "إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" وفي الرواية الثالثة "فإن أكل منه فلا تأكل، فإنه إنما أمسك على نفسه".
كما احتجوا بقوله تعالى {فكلوا مما أمسكن عليكم} ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما احتيج إلى زيادة "عليكم" ويرد ابن القصار على هذا بأن مجرد إرسال الكلب إمساك علينا، لأن الكلب لا نية له، ولا يصح منه ميزها، فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا أو على نفسه، واختلف الحكم في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية، وهو مرسله، فإذا أرسله فقد أمسك عليه، وإذا لم يرسله لم يمسك عليه، كذا قال، وهو بعيد، ومصادم لسياق الحديث الصحيح، وقد قال الجمهور: إن معنى قوله {أمسكن عليكم} صدق لكم، وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه، لا لصاحبه، فلا يعدل عن ذلك، فعند ابن أبي شيبة "إن شرب من دمه فلا تأكل، فإنه لم يعلم ما علمته" ففي هذا الحديث إشارة إلى أن الأكل دليل على أنه ليس بمعلم التعليم المشترط، ثم إن الأصل التحريم، وشرط الإباحة أن نعلم أنه أمسك علينا، قال النووي: وأما جوارح الطير إذا أكلت مما صادته فالأصح عند أصحابنا، والراجح من قول الشافعي تحريمه، وقال سائر العلماء بإباحته، لأنه لا يمكن تعليمها ذلك، بخلاف السباع. قال: وأصحابنا يمنعون هذا الدليل.
الرابعة: إذا شارك الكلب المعلم المرسل كلب أو كلاب غير معلمة، أو معلمة غير مرسلة، أو مرسلة ممن ليس من أهل الذكاة، أو شككنا في شيء من ذلك فإنه لا يحل، أما إذا تحققنا أن الكلاب المشاركة معلمة مرسلة ممن هو أهل للذكاة فإنه يحل، ثم ينظر، فإن أرسلاهما معا فهو لهما، وإلا فللأول.

الصفحة 614