كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 7)

__________
ينتفع به إلا إذا استغنى هو عنه وجب أن لا يهدم عليه بنيانه فيذهب ماله هدرا وهو أعظم الناس حقا في ذلك الموضع بل لا حق لأحد معه فيه إذا احتاج إليه فكيف إذا لم يتوصل إلى أخذه منه مع حاجته إليه إلا بهدم بنيانه وتلف ماله؟ وهذا بين لا سيما ومن أهل العلم من يبيح له ذلك ابتداء في المجموعة من رواية ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها: إن الأقربين إليها يقتطعونها على قدر ما شرع فيها من رباعهم بالحصص فيعطى صاحب الربع الواسع بقدره، وصاحب الصغير بقدره ويتركون لطريق المسلمين ثمانية أذرع قال ابن رشد: وإنما قالوا ثمانية أذرع احتياطا، والله أعلم. ليستوفي فيها السبعة الأذرع المذكورة في الحديث على زيادة الذراع ونقصانه، وهذا القول الثاني أظهر والقائلون بالأول أكثر وكل مجتهد مصيب، وقد نزلت بقرطبة قديما واختلف الفقهاء فيها فأفتى ابن لبابة وأبو صالح أيوب بن سليمان ومحمد بن الوليد بأنه لا يهدم ما تزيده من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها وأفتى عبد الله بن يحيى وابنه يحيى ويحيى بن عبد العزيز وسعد بن معاذ وأحمد بن بيطير بأن يهدم ما تزيد منه على كل حال وبالله التوفيق انتهى.
وما استظهره ابن رشد بأنه لا يهدم عليه ما تزيد من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها أفتى به أيضا في نوازله، ورجحه في سؤال كتب به إليه القاضي عياض يسأله عن شخص بنى حائطا بجنته في بطن واد، وقد كان حائطه دون ذلك فأجابه إن كان الحائط الذي بناه يضر بالطريق، أو بجاره فيهدم ما بناه، وإن كان الحائط لا يضر بالطريق، ولا بجاره لم يهدم عليه، وهذا على القول بأن من تزيد من طريق المسلمين في داره ما لا يضر بالطريق لا يهدم بنيانه، والذي يترجح عندي من القولين أنه لا يهدم عليه بنيانه إذا لم يضر بالطريق لما له من الحق في البناء وهو الذي أقول به في هذه المسألة، وأن من أهل العلم من يبيح ذلك ابتداء انتهى. وقال في العتبية أيضا في رسم الأقضية، والحبس من كتاب السلطان: قال أصبغ: سألت أشهب عن رجل يهدم داره وله الفناء الواسع فيزيد فيها من الفناء يدخله بنيانه، ثم يعلم بذلك قال: لا يتعرض له إذا كان الفناء واسعا وبراحا لا يضر الطريق، وقد كرهه مالك وأنا أكرهه، ولا آمر به، ولا أقضي عليه بهدمه إذا كان الطريق واسعا وبراحا لا يضر ذلك بشيء منه، ولا يحتاج إليه، ولا يقاربه المشي قال أصبغ: في الرجل يبني دارا له فيأخذ من طريق المسلمين شيئا يزيده فيها كان ذلك مضرا بطريق المسلمين، أو لا يضر أترى ذلك جائزا؟ وهل تجوز شهادة مثل هذا؟ قال أصبغ: إن كان اقتطعه اقتطاعا فما يضر بالطريق والمسلمين وأدخله في بنيانه وكان إدخاله فيما يرى بمعرفة لا بجهالة، أو وقف عليه فلم يبال فلا أرى أن تجوز شهادته، ويهدم بنيانه إذا أضر جدا، وإن كانت الطريق واسعة جدا كبيرة وكان الذي أخذ الشيء اليسير جدا الذي لا يضر، ولا يكون فسادا في صغير ما أخذ وسعة الطريق وكثرته فلا أرى أن يهدم بنيانه، ولا يعرض له، وقد سألت أشهب عنها بعينها ونزلت عندنا فكان هذا رأيي فيها فسألته عنها فقال لي مثله.

الصفحة 120