كتاب الاستذكار (اسم الجزء: 7)

قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ هَذَا أَصَحُّ فِي النَّظَرِ وَأَثْبَتُ فِي حُكْمِ الْأُصُولِ مِنْ قَوْلِ سَائِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِينَ إِنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا
وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ أَخُوهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالولد للفراش والحق بن أَمَةِ زَمْعَةَ بِفِرَاشِ زَمْعَةَ قَالُوا وَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (احْتَجِبِي مِنْهُ) حُكْمٌ آخَرُ يَجُوزُ بِهِ أَنْ يَمْنَعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ فِي قَوْلِهِ (احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِلزِّنَا حُكْمًا فَحَرَّمَ بِهِ رُؤْيَةَ ذَلِكَ الْمُسْتَلْحَقِ لِأُخْتِهِ سَوْدَةَ وَقَالَ لَهَا احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَنَعَهَا مِنْ أَخِيهَا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَخِيهَا فِي غَيْرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ من زنا فِي الْبَاطِنِ إِذْ كَانَ شَبِيهًا بِعُتْبَةَ فَجَعَلُوهُ كانه اجنبي لا يراها بحكم الزنى وَجَعَلُوهُ أَخَاهَا بِالْفِرَاشِ وَزَعَمُوا أَنَّ مَا حَرَّمَهُ الحلال فالزنى أَشَدُّ تَحْرِيمًا لَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَنْ قَالَ جَعْلَهُ أَخَاهَا فِي الْحُكْمِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ أَخَاهَا فِي غَيْرِ الْحُكْمِ قَوْلٌ فَاسِدٌ لا يعقل وتخليط لا يصح وَلَا يُعْقَلُ وَلَا يُفْهَمُ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُبْتَغَى هُوَ حُكْمُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ وَخِلَافُهُ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَيْءٍ وَضِدِّهِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ فَيَجْعَلُهُ أَخَاهَا مِنْ وَجْهٍ وَغَيْرَ أَخِيهَا مِنْ وَجْهٍ
هَذَا لَا يُعْقَلُ وَلَا تَحِلُّ إِضَافَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْفَ يُحْكَمُ لِشَبَهِهِ عُتْبَةَ بِحُكْمٍ بَاطِلٍ وَسُنَّتُهُ فِي الْمُلَاعَنَةِ أَنَّهَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ وَأَمْضَى حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ
وَقَدْ حَكَى الْمُزَنِيُّ عن الشافعي ان روية بن زَمْعَةَ لِسَوْدَةَ مُبَاحٌ فِي الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ كَرِهَهُ لِلشُّبْهَةِ وَأَمَرَهَا بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُ اخْتِيَارًا
وَهَذَا أَيْضًا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَصَحُّ لِأَنَّ سَوْدَةَ لَمْ تَعْرِفْهُ وَلَمْ تَقُلْ إِنَّهُ أَخُوهَا وَلَمْ يَلْزَمْهَا إِقْرَارُ أَخِيهَا
وَقَدْ مَضَى فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَبَيَانٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حدثني الخشني قال حدثني بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ زَنَا بِامْرَأَةٍ حرة او بامة قوم فالولد ولد زنا لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحجر

الصفحة 168