كتاب الاستذكار (اسم الجزء: 7)

عُرْوَةَ يَقْضِيَانِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَسْنَدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَشْهَدُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الَّذِينَ أَسْنَدُوهُ فِي إِسْنَادِهِ
وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَكَثِيرٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ
وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) أَنَّهُ الْغَرْسُ فِي أَرْضِ غَيْرِكَ
عَلَى هَذَا خَرَجَ اللَّفْظُ الْمَقْصُودُ بِهِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَكُلُّ مَا كَانَ مِثْلَهُ فَلَهُ حُكْمُهُ وَكَذَلِكَ فسره عروة وهشام ومالك
وقال بن وهب اخبرني مالك قَالَ هِشَامٌ (الْعِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لِيَسْتَحِقَّهَا بِذَلِكَ)
قَالَ مَالِكٌ وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا أُخِذَ وَاحْتُكِرَ وَاغْتُرِسَ فِي غَيْرِ حَقٍّ
وَأَمَّا قَوْلُهُ (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً) فَالْمَيِّتَةُ الْبُورُ الشَّامِخُ مِنَ الشَّعْوَاءِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا
وَإِحْيَاؤُهَا أَنْ يَعْمَلَ حَتَّى تَعُودَ أَرْضًا بَيْضَاءَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَزْرُوعَةً بَعْدَ حَالِهَا الْأَوَّلِ فَإِنْ غَرَسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ زَرَعَهَا فَهُوَ أَبْلَغُ فِي إِحْيَائِهَا
وَهُوَ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَاخْتُلِفَ فِي التَّحْجِيرِ عَلَيْهَا بِالْحِيطَانِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِحْيَاءً لَهَا ام لا
قال بن الْقَاسِمِ لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ التَّحْجِيرَ إِحْيَاءً وَلَا مَا رُوِيَ (مَنْ حَجَرَ أَرْضًا وَتَرَكَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَإِنْ أَحْيَاهَا وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا) لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ عِنْدَهُ فِي مَيِّتِ الْأَرْضِ شَقُّ الْأَنْهَارِ وَحَفْرُ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَغَرْسُ الشَّجَرِ وَالْحَرْثُ
وَقَالَ أَشْهَبُ لَوْ نزل قوم من ارض البرية فجعلوا ويزرعون مَا حَوْلَهَا فَذَلِكَ إِحْيَاءٌ لَهَا وَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ مَا أَقَامُوا عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَوَاتِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِاكْتِسَابٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَأَمَّا مَا عُرِفَ لَهُ مَالِكٌ بِاكْتِسَابٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَلَيْسَ مِنَ الْمَوَاتِ الَّذِي يُعْرَفُ يَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهُ
وَقَدْ قَالَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى دَثَرَتْ وَطَالَ زمانها وهلكت

الصفحة 185