كتاب الاستذكار (اسم الجزء: 7)

اياها وليس ذلك بالمساقاة إِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَجُذَّ النَّخْلَ إِلَى أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ
قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَاقَى ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ ان يبدو صلاحه ويحل بيعه فتلك السماقاة بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ كَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ مَفْهُومٌ جِدًّا وَكُلُّ مَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ لَمْ يُجِزْهَا إِلَّا فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ وَفِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنَ الثِّمَارِ وَيَعْمَلُ الْعَامِلُ فِي الشَّجَرِ مِنَ الْحَفْرِ وَالزَّبْرِ وَسَائِرِ الْعَمَلِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَتَصْلُحُ ثَمَرَتُهَا بِهِ عَلَى حَدِّ مَا يُخْرِجُهُ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الثَّمَرِ كَالْقِرَاضِ يَعْمَلُ الْعَامِلُ فِي الْمَالِ حَدَّ مَا يَرْزُقُهُ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الرِّبْحِ وَهَذَانَ أَصْلَانِ مُخَالِفَانِ لِلْبُيُوعِ وَلِلْإِجَارَاتِ وَكُلٌّ عِنْدِنَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ وَالْعَمَلُ به
وذكر بن عَبْدُوسٍ أَيْضًا عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الَّتِي يُعْلَمُ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا لِأَنَّهَا إِجَارَةُ شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَالْعَامِلُ فِي ذَلِكَ أَجِيرٌ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِذَا كَانَ هَذَا فَلَيْسَتْ مُسَاقَاةً وَإِنَّمَا الَّذِي يُعْطِيهِ فِي عَمَلِهِ مِنَ الثَّمَرِ الَّذِي حَلَّ بَيْعُهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فَمَرَّةً قَالَ مِثْلَ مَالِكٍ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْحَائِطِ وَإِنْ بَدَا صَلَاحُهُ وَمَرَّةً قَالَ لَا تَجُوزُ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى انه يخبر أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِكُلِّ ثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ جَائِزٌ عِنْدَهُ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِكُلِّ مَا تُكْرَى بِهِ الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ مِنَ الْعَيْنِ الْمَعْلُومِ وَزْنُهَا وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا الْجَائِزُ بَيْعُهَا فِي مِلْكِهَا عَلَى سُنَّتِهَا طَعَامًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ طَعَامٍ أَنْ تَكُونَ بِجُزْءِ مَا تُخْرِجُهُ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ أُخْرَى وَرُبَّمَا لَمْ يُخْرِجُ شَيْئًا فَلَا هَذَا عِنْدَهُ الْمُزَارَعَةُ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عنها
وقال بن نَافِعٍ جَائِزٌ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ وَالْآدَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا عَدَا الْحِنْطَةَ وَأَخَوَاتِهَا يَعْنِي الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ فَإِنَّهَا مُحَاقَلَةٌ

الصفحة 52