كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 7)

تنكر ليوسف وفضله على مصر وغيرها، فقد رأى هذا الملك أن بني إسرائيل يتكاثرون في الأراضي المصرية، وتزداد أعدادهم بها، فخاف أن يكونوا قوة تهدد البلاد أو يناصروا من يريد بها شرا، فأمر بقتل كل ذكر يولد لهم .. ثم تأتي قصة ولادة سيدنا موسى عليه السلام وقصة وأخاه هارون عليه السلام مع فرعون مصر المعروفة، وغرق فرعون في البحر الأحمر، وعبور بني إسرائيل مع موسى وهارون إلى سيناء، ثم عصيانهم لسيدنا موسى بقتال القوم الجبارين من الكنعانيين من أهل فلسطين، فعاقبهم اللّه تعالى بأن يبقوا في أرض التيه بسيناء أربعين سنة، وهناك تلقى موسى عليه السلام ألواح التوراة من فوق جبل الطور، وهناك أنعم اللّه تعالى على هؤلاء القوم بنعم عديدة عددها المفسرون بتسعة أنعم كان منها نعمة المن والسلوى، وهنا أيضا ظهرت قبائح هؤلاء القوم ورذائلهم وأخلاقهم الفاسدة وعلى رأسها عصيانهم لنبييهم موسى وهارون عليهما السلام وذلك بعبادتهم العجل. فجاءت قصتهم في القرآن الكريم مفصلة وموزعة على عدة سور، ومنها الآيات التي ذكرناها بالتفصيل في الكتاب الأول من هذه السلسلة.
المن في التفسير واللغة والحديث:
شرح المفسرون الأجلاء مقاصد المن التي وردت في هذه الآيات، فقال الطبري أن المن (صمغة)، وقال قتادة أنه نزل على بني إسرائيل مثل الثلج، وقال الربيع بن أنس أن المن نزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه، بينما قال آخرون أنه العسل، وذهب آخرون إلى أنه الترنجبين أو الطرنجبين أو الترنكبين، وقال بعضهم أنه شراب حلو كانوا يطبخونه ويشربونه، وقال الزجاج أنه المن هو ما منّ اللّه تعالى على هؤلاء القوم في صحراء التيه، وأثر عن بن عباس أن المن هو ما تساقط من السماء على الشجر فتأكله الناس. وقال القرطبي هو خبز الرقاق، بينما خلص ابن كثير إلى أن المن إذا أكل وحده كان طعاما وحلاوة، وإذا مزج مع الماء صار شرابا طيبا، وإن ركب مع غيره نوعا آخر. يقول صاحب (الأساس): ولكن ليس المراد من الآية هو هذا وحده، والدليل هو الحديث الذي أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، برقم (4273) عن سعيد بن زيد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال (الكمأة من المنّ وماؤها شفاء العين) «1». يقول العسقلاني في شرحه للحديث: (الكمأة لا ورق لها ولا ساق،
______________________________
(1) جاء الحديث في صحيح البخاري في كتاب تفسير القرآن وكتاب الطب، صحيح مسلم في كتاب

الصفحة 26