كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 7)

و (الأخشبان) جبلا مكة وفي الحديث «لا تزول مكة حتى يزول أخشباها» وكل جبل خشن عظيم فهو (أخشب) وجبهة (خشباء) أي كريهة يابسة والخشب بكسر الشين الخشن وقد (اخشوشب) صار خشنا وفي الحديث عن عمر رضي اللّه عنه (اخشوشبوا) وهو الغلظ وابتذال النفس في العمل والاحتفاء في المشي ليغلظ الجسد.
يقول صاحب الظلال في تفسير الآية: فهم أجسام تعجب لأناس تتجاوب أو ما داموا صامتين فهم أجسام معجبة للعيون. فأما حين ينطقون فهم خواء من كل معنى ومن كل حس ومن كل خالجة. ... تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ولكنها ليست خشبا فحسب إنما هي «خشب مسندة» لا حركة لها، ملطوعة بجانب الجدار!، هذا الجمود الراكد البارد يصورهم من ناحية فقه أرواحهم إن كان لهم أرواح!، ويقابله من ناحية أخرى حالة من التوجس الدائم والفزع الدائم والاهتزاز الدائم. يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ فهم يعرفون أنهم منافقون بستار رقيق من التظاهر والحلف والملق والالتواء. وهم يخشون في كل لحظة أن يكون أمرهم قد افتضح وسترهم قد انكشف والتعبير يرسمهم أبدا ملتفين حواليهم، يتوجسون من كل حركة ومن كل صوت ومن كل هاتف يحسبونه يطلبهم وقد عرف حقيقة أمرهم!!!، وبينما هم خشب مسندة ملطوعة إذا كان الأمر أمر فقه وروح وشعور بإيقاعات الإيمان ... إذا هم كالقصبة المرتجفة في مهب الريح إذا كان الأمر أمر خوف على الأنفس والأموال.
وإذا تركنا هذا التحليل النفسي الدقيق لنفسيات هؤلاء الأشخاص المنافقون لأهل التخصص من علماء النفس وركزنا النظر على التشبيه بالمادة التي هي الخشب المركون جانبا ولما ذا الاختيار وقع على الخشب وليس مادة أخرى؟.
إن مادة الخشب تعتبر من ضمن المواد اللدائنية الليفية ونظرة إليها تحت المجهر يريك كم هي خاوية حيث إن تركيبها المجهري يحوي فجوات كبيرة وهذا يعلل مطاطيتها وتحملها للصدمات حيث تعتبر مادة مخمدة في المجال الهندسي، أما خواؤها وفراغاتها هذه فقد اكتشفت بعد اكتشاف المجهر وتطوره وصولا إلى المجهر الإلكتروني البالغ الدقة (الشكل)، والخواء هذا هو التشبيه الصحيح والدقيق لنفسية المنافق إذ لا فائدة له يستند عليها فهو فارغ يميل مع كل هوى ويجرفه كل تيار.

الصفحة 42