كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 7)

وَقِيلَ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ، أَوْ لَا. وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ.

فَائِدَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: الصِّحَّةَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهَا، عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ يَكُونَ الرِّيعُ لَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ: صَحَّ. فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ صَحَّحْنَا الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ: صَحَّ. لِأَنَّ مِلْكَ أُمِّ وَلَدِهِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِهِ. وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهُ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ. وَيَتَوَجَّهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَمْلِكُ بِحَالٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُخَرَّجُ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ. فَإِنَّ هَذَا نَوْعَ تَمْلِيكٍ لِأُمِّ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْقِنِّ. فَإِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَيَكُونُ مِلْكًا لِعَبْدِ الْغَيْرِ. وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ: فَقَدْ تُخَرَّجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ يَعُمُّ حَالَ رِقِّهَا وَعِتْقِهَا. فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي إحْدَى الْحَالَيْنِ: خَرَجَ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْوَقْفَ الْمُنْقَطِعَ الِابْتِدَاءِ يَصِحُّ. فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ: فَهَذَا كَذَلِكَ. انْتَهَى.
الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتَبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ.

الصفحة 21