كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 7)

مرةً محرومٌ ليبتلى صبره، ومرةً واجدٌ ليعرف شكره، ولن يصفو من الدّنس وال يعرى من لباس الهوى ولا يصلح لسكنى الجنة إّلا بهذا النوع من التقليب، وهذا الشكل من الترتيب: بين حالٍ يكون فيها مرتهناً بشكرٍ يمتري له المزيد، وبين أخرى يكون ممتحناً فيها بصبرٍ يوجب له المزيد، فليس ينفكّ من النعمة، إّلا أنه في الغنى أبطر وفي الفقر أضجر، وحكم الله ينفذ فيه على كرهٍ منه. فما أحسن بمن أوسع الله عليه في ذات يده أن يكون مراعياً لحقّ الله عليه، وما أولى بمن ضيّق عليه أن يكون واثقاً من الله بما لديه، فلعلّ الصّنع له فيما زوي عنه وحجب وهو لا يدري، ولعلّ النظر له فيما حرم وهو لا يشعر.
وأنا أستحسن قول رجلٍ قال لعبيد الله بن سليمان: لو كان للوزير بي عناية ما كان عني نابي الطّرف، ولا كنت من دركي منه على حرف؛ فقال عبيد اله: أيها الرجل، على رسلك، فعسى نظري لك في الإعراض عنك، ولعل استصلاحي إياك بالانقباض منك، ثق باهتمامي بك إلى أوان إسعافك، فإنّ تقرّبك إليّ بتفويضك أجلب للنيل إليك من تباعدك عني باقتضائك، واعلم أني وزير.

الصفحة 271