كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 7)
حاجتك إلى ما يزينك بعد كمالك؟ اعلم أن الأقطع يحتاج إلى كمٍّ لقميصه لا ليتمّ ولكن للزينة. ولا تطلب العلم إلا بعد أن تعشق الحقّ عشقاً، وتموت على الحجّة موتاً، وتنفر من الباطل نفوراً، وتمقت الشّبهة مقتاً، فعند ذلك ترى منالك منه، وراحتك به أتمّ من تعبك عليه؛ وحينئذٍ ترى العمل زاداً، والإخلاص عتاداً. وأسّ هذه الفضائل وقاعدة هذه المحاسن الزّراية على نفسك، والتودّد إلى بني جنسك، والإقبال على يومك دون الأسف على أمسك، وقطع حبائل الدنيا عن قلبك، والتوجّه في السرّ والجهر إلى ربّك، وبعض هذا كافٍ لمن سبقت له من الله الحسنى، وأمّل حسن العقبى. ففرّوا إلى الله تعالى جميعاً ودعوا مزابل الدنيا لكلابها المتناهسة، فإنّ الدنيا تنكل طالبها، وتغصّ شاربها، وتذبح عاشقها والغالي في حبّها.
أنا سمعت بدوياً من ناحية فيدٍ حين قتل الوزير ابن برمويه يقول لصاحبٍ له: أعندك الخبر؟ قال: لا والله؛ قال: إنّ هذا الوزير الشّرير قد ذبح، قال: ما تقول؟ قال: هو ما أقول لك، ثم أطرق هنيهةً وقال: والله ما علا حتى ساخ، ولا غلا حتى باخ؛ نعوذ بالله من سوء العاقبة وشماتة ابن
الصفحة 8
294