كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)

وأما عد الجن من جنود سليمان في قوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ} [النمل: 17] ، فخير منه عد الملائكة، جبريل ومن معه من جملة أجناده عليه الصلاة والسلام باعتبار الجهاد وباعتبار تكثير السواد على طريقة الأجناد.
وأما عد الطير من جملة أجناده، فأعجب منه حمامة الغار وتوكيرها في الساعة الواحدة، وحمايتها له من عدوه، والغرض من استكثار الجند إنما هو الحماية، وقد حصلت من أعظم شيء بأيسر شيء.
وأما ما أعطيه من الملك، فنبينا صلى الله عليه وسلم خير بين أن يكون نبيًا ملكًا أو نبيًا عبدًا، فاختار صلى الله عليه وسلم أن يكون نبيًا عبدًا، ولله در القائل:
يا خير عبد على كل الملوك ولي
وأما ما أعطيه عيسى عليه الصلاة والسلام من إبراء الأكمة والأبرص وإحياء
__________
"وأما عد الجن من جنود سليمان في قوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [النمل: 17] الآية والطير في مسير له فهم له يوزعون، أي: يجمعون، ثم يساقون، "فخير منه عد الملائكة جبريل ومن معه من جملة أجناده عليه السلام، باعتبار الجهاد" وفي بدر العظمى، "وباعتبار تكثير السواد" في غيرها لإرهاب العدو "على طريقة الأجناد"، كما وقع في أحد والخندق وحنين؛ كما مر بيانه في محله.
"وأما عد الطير من جملة أجناده" في الآية الكريمة، "فأعجب منه حمامة الغار" أي: جنسها، فلا ينافي كونهما حمامتين، كما مر في الهجرة "وتوكيرها" أي: اتخاذها الوكر "في الساعة الواحدة، وحمايتها له من عدوه، والغرض من استكثار الجند إنما هو الحماية" من الأعداء، "وقد حصلت من أعظم شيء" وهم كفار قريش الذين خرجوا في طلبه، وجعلوا مائة ناقة لمن رده أو قتله "بأيسر شيء" وهو تعشيش الحمامة، "وأما ما أعطيه من الملك" بطلبه، "فنبينا صلى الله عليه وسلم خير" بلا طلب "بين أن يكون نبيًا ملكًا، أو نبيًا عبدًا" أو بمعنى الواو؛ كقوله:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ... ما بين ملجم مهره أو سافع
لأن بين ظرف مبهم لا يبين معناه إلا بإضافته إلى اثنين فصاعدًا، أو ما يقوم مقام ذلك؛ كقوله: عوان بين ذلك، كما بين في موضعه"، "فاختار صلى الله عليه وسلم أن يكون نبيًا عبدًا، ولله در القائل: يا خير عبد على كل الملوك ولي" أي: جعلت له الولاية عليهم، وكفى بذلك شرفًا.
وأما ما أعطيه عيسى عليه الصلاة والسلام من إبراء الأكمه" الذي ولد أعمي،

الصفحة 100