كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
الموتى، فأعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه رد العين إلى مكانها بعدما سقطت فعادت أحسن ما كانت، وفي دلائل النبوة للبيهقي قصة الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم لا أؤمن بك حتى تحيي لي ابنتي وفيه أنه صلى الله عليه وسلم أتى قبرها فقال: "يا فلانة"، فقالت: لبيك وسعديك يا رسول الله، الحديث، وقد مر. وروي أن امرأة معاذ بن عفراء -كانت برصاء- فشكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليها بعصا فأذهب الله البرص منها، ذكره الرازي، وأيضًا قد سبح الحصى في كفه، وسلم عليه الحجر، وحن لفراقه الجذع، وذلك أبلغ من تكليم الموتى لأن هذا من جنس ما لا يتكلم.
__________
"والأبرص" وخصا؛ لأنهما مرضا إعياء، وكان بعثه في زمن الطب، فأبرأ في يوم خمسين ألفًا بالدعاء، بشرط الإيمان، وقدمت ما كان يدعو به، "وإحياء الموتى" بإذن الله، فأحيا عازر صديقًا له، وابن العجوز، وابنه العاشر، فعاشوا، وولد لهم وسام بن نوح، ومات في الحال، وكان المصنف اقتصر على هذه الثلاثة لاشتهارها دون بقية معجزاته وإلا فصدر الآية: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} ، وآخرها تأتي الإشارة إليه ومن معجزاته، المائدة وغير ذلك، "فأعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه رد العين" لقتادة "إلى مكانها بعدما سقطت" على وجنته، "فعادت أحسن ما كانت" فهذا أبلغ من إبراء الأكمه، لأن عينيه في مكانهما.
"وروي أن امرأة معاذ بن عفراء، وكانت برصاء، فشكت" الفاء زائدة في خبر أن عند من يجيزه، "ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح عليها بعصا" ولم يمسها بيده، لأنها أجنبية، ولم يمس أجنبية أبدًا، وإشارة لغيره؛ وإن كان هو سيد أهل اليقين إلى أنه لا ينبغي مس محل البرص ونحوه، مخافة أن يصاب به الماس، فيتوهم أنه أعداه، "فأذهب الله البرص منها، ذكره الرازي، وأيضًا فقد سبح الحصى في كفه، وسلم عليه الحجر، وحن لفراقه الجذع، وذلك أبلغ من تكليم الموتى؛ لأن هذا من جنس ما لا يتكلم" لم يقل من جنس ما لم تحله الحياة للخلاف في أن نطق الجماد هل هو بعد تصييره حيًا، أو مع بقائه على كونه جمادًا وإحياء الجماد أبلغ من إحياء الموتى.
قال ابن كثير: حلول الحياة والإدراك والعقل في الحجر الذي كان يخاطبه صلى الله عليه وسلم أبلغ من حياة الحيوان في الجملة؛ لأنه كان محلا للحياة في وقت، بخلاف هذا لا حياة فيه بالكلية قبل ذلك، وكذلك تسليم الأحجار، والمدر، والشجر، وحنين الجذع، وجعل أبو نعيم نظير خلق الطين طيرًا، جعل العسيب سيفًا، كما تقدم.