كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
وفي دلائل النبوة للبيهقي قصة الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا أومن بك حتى تحيي لي ابنتي، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أرني قبرها" وأتى قبرها فقال: "يا فلانة" فقالت: لبيك وسعديك ... الحديث، وقد مر.
وأما ما أعطيه عيسى أيضًا من أنه كان يعرف ما تخفيه الناس في بيوتهم،
__________
"وفي دلائل النبوة للبيهقي قصة الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا أومن بك حتى تحيي لي ابنتي، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم" قال: "أرني قبرها"، وأتى قبرها فقال: "يا فلانة" باسمها الخاص فكنى عنه الراوي بفلانة لنحو نسيان، "فقالت: لبيك وسعديك ... الحديث، وقد مر" جميع ذلك الذي من جملته بقية الحديث قريبًا، وحاصل ما ذكره أن المصطفى شارك عيسى في إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وزاد بتكليم الجماد له، وإياء الجزء من الحي بعد انفصاله، كرد العين والذراع المسمومة، ولم يعهد مثله، وترك المصنف من آيات عيسى عليه الصلاة والسلام المائدة؛ لقول ابن المنير: لا يلزمنا إثبات نظيرها لنبينا، لأنها كانت محنة لبني إسرائيل، لا نعمة، لأنهم لعنوا بسببها، كما جاء في تفسير قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآية، على لسان داود وعيسى ابن مريم؛ إنهم أصحاب المائدة، كفروا بعدها فلعنوا، ولم تقبل منهم توبة أبدًا، قال: وعلى تقدير شائبة الكرامة في إجابة دعوة عيسى، فنظير ذلك لنبينا إجابته حين خفت أزواد القوم، فجمعها فكانت كربضة العنز، ولا جفاء أنه طعام أقل من عشرة، فدعا بالبركة، فملأ الناس، وهم زهاء ألف ونيف أوعيتهم، والطعام بحاله، فهذه مائدة نزلت من السماء وطعام مبارك، قال الله: {كُنْ} الآية، فكان بدون تهديد، ولا وعيد، ولا تشديد، ولا محنة، ولا فتنة، ولا سد باب التوبة، بتقدير كفران النعمة، بل كانت نعمة محض، انتهى.
وفي الشامية تقدم نظير ذلك لنبينا؛ أنه أتي بطعام من السماء في عدة أحاديث تقدمت، وروى البيهقي عن أبي هريرة، قال: أتى رجل أهله، فرأى ما بهم من الحاجة، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما نعجن ونخبز، فإذا الجفنة ملأى خميرًا، والرحى تطحن، والتنور ملأى خنوب شواء، فجاء زوجها وسمع الرحى، فقامت إليه لتفتح له الباب، قال: ماذا كنت تطحنين؟ فأخبرته وإن رحاهما لتدور وتصب دقيقًا، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ، فرفع الرحى، وكنس ما حولها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما فعلت بالرحى"؟ قال: رفعتها ونفضتها، فقال صلى الله عليه وسلم: "لو تركتموها ما زالت كما هي لكم حياتكم" وفي رواية: "لو تركتموها لدارت إلى يوم القيامة".
"وأما ما أعطيه عيسى أيضًا من أنه كان يعرف ما تخفيه الناس في بيوتهم" كما قال تعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} الآية، أي: بالمغيبات من