كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)

"أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا
__________
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند الإمام أحمد: "أعطيت" بضم الهمزة "خمسًا" أي: خمس خصال، "لم يعطهن أحد" من الأنبياء "قبلي" قال الحافظ: ظاهر الحديث أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك، ولا يعترض بأن نوحًا كان مبعوثًا إلى أهل الأرض بعد الطوفان؛ لأنه لم يبق إلا من آمن معه، وقد كان مرسلا إليهم؛ لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته، وإنما اتفق بالحادث، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم، فعموم رسالته من أصل بعثته، فثبت اختصاصه بذلك، وفيه أجوبة أخرى تأتي قريبًا، "كان كل نبي يبعث إلى قومه" المبعوث إليهم "خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود" قال الحافظ: المراد بالأحمر العجم، وبالأسود العرب، وقيل: الأحمر الإنس، والأسود الجن، وعلى الأول التنصيص على الإنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه مرسل إلى الجميع، انتهى، أي: بالأقرب، وهم الإنس عجمًا وعربًا على الأبعد وهم الجن، وهذا لفظ مسلم ولفظ البخاري في التيمم: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة"، وكذا لفظه في الصلاة، لكنه قال: كافة بدل عامة، ولمسلم من حديث أبي هريرة: "وأرسلت إلى الخلق كافة"، وهي أصرح الروايات وأشملها، فهي حجة لمن ذهب إلى إرساله إلى الملائكة لظاهر قوله: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} الآية، ويأتي بسطه، "وأحلت لي الغنائم" وللكشميهني: المغانم، بميم قبل الغين، وهي رواية مسلم، "ولم تحل لأحد قبلي".
قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد، فلم يكن لهم مغانم، ومنهم من أذن لهم فيه، لكن كانوا إذا غنموا شيئًا لم يحل لهم أن يأكلوه، وجاءت نار فأحرقته، وقيل: المراد أنه خاص بالتصرف في الغنيمة، يصرفها حيث شاء والأول أصوب، وهو أن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا، ذكره الحافظ، "وجعلت لي الأرض مسجدًا" أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازًا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك، وفي رواية أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: وكان من قبلي، إنما يصلون في كنائسهم، وللبزار من حديث ابن عباس: ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه، "وطهورًا" بفتح الطاء على المشهور، واحتج به أبو حنيفة ومالك على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض، وخصه الشافعي وأحمد بالتراب، لما في مسلم من حديث حذيفة: "وجعلت لنا الأرض

الصفحة 104