كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل حيث كان ونصرت بالرعب مسيرة شهر
__________
كلها مسجدًا، وجعلت تربتها طهورًا" وتعقب بأن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره.
وأما رواية ابن خزيمة وغيره الحديث بلفظ: "وجعل ترابها"، وقوله في حديث علي: "وجعل التراب لي طهورًا" , رواه أحمد والبيهقي بإسناد حسن، فالنص على التراب في هاتين الروايتين لبيان أفضليته لا لأنه لا يجزئ غيره، وليس مخصصًا لعموم قوله: "وطهورًا"؛ لأن شرطه أن يكون منافيًا، ولذا قال القرطبي هو من باب النص على بعض أشخاص العموم؛ كقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] الآية، انتهى.
واستدل به على أن الطهور هو المطهر لغيره، إذ لو كان المراد الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سبق لإثباتها، وقد روى ابن المنذر، وابن الجارود، بإسناد صحيح، عن أنس مرفوعًا: "جعلت لي كل أرض طيبة مسجدًا وطهورًا"، ومعنى طيبة طاهرة، فلو كان معنى طهورًا طاهرًا للزم تحصيل الحاصل، "فأيما رجل" كائن "من أمتي أدركته الصلاة" جملة في موضع جر، صفة لرجل، وأي مبتدأ فيه معنى الشرط، وما زائدة للتعميم، ورجل مضاف إليه، وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي: "فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة، فلم يجد ماء، وجد من الأرض طهورًا ومسجدًا".
وعند أحمد: فعنده طهوره ومسجده، "فليصل حيث كان" خبر المبتدأ، أي: بعد أن يتيمم، أو حيث أدركته الصلاة، ولأحمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت.
قال ابن التين: قيل: المراد جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وجعلت لغيري مسجدًا لا طهورًا؛ لأن عيسى كان يسبح في الأرض ويصلي حيث أدركته في أماكن مخصوصة، كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ: "وكان من قبلي إنما يصلون في كنائسهم"، وهذا نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية، وللبزار، ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه، قاله الحافظ، وتبرعنا به هنا تبعًا للشيخ، مع أن المصنف ذكره قريبًا بعد ذلك، وعلى ظاهر ما رجحه يسقط عنهم وجوب الأداء، ويقضون إذا رجعوا، وبه جزم بعض شراح الرسالة القيروانية، ويؤيده ظاهر قوله: "حتى يبلغ محرابه"، فما قيل هل يسقط عنهم مطلقًا أو محل الحصر في الكنائس ونحوها في الحضر لا في السفر، ويكون محل خصوصيتنا الصلاة بأي محل، ولو بجوار المسجد مع سهولة الصلاة فيه، انظره فيه قصور، ويمنع الثاني أن القيد لا بد له من دليل، مع أن ظاهر قوله: حتى يبلغ محرابه خلافه، " ونصرت بالرعب" بضم الراء: الخوف، زاد أحمد عن أبي أمامة: يقذف في قلوب أعداي "مسيرة شهر" غيابه، لأنه لم يكن بين بلده