كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
وفيه: "وأعطيت الشفاعة فاخترتها لأمتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئًا". وإسناده كما قال ابن كثير جيد.
وليس المراد حصر خصائصه عليه الصلاة والسلام في هذه الخمس المذكورة. فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأرسلت إلى الخلق كافة
__________
رَبِّكَ فَحَدِّثْ} الآية، وفيه: "وأعطيت الشفاعة فاخترتها لأمتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئًا" وإن فعل المعاصي، وفي رواية عمرو بن شعيب: "فهي لكم ولمن يشهد أن لا إله إلا الله".
قال الحافظ: فالظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة به في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل إلا التوحيد، وهو مختص أيضًا بالشفاعة الأولى، أي في فصل القضاء، لكن جاء التنويه بذكر هذه، لأنها غاية المطلوب عن تلك، لاقتضائها الراحة المستمرة، وقد ثبتت هذه في رواية البخاري في التوحيد: "ثم أرجع إلى ربي في الرابعة، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله"، ولا تعكر عليه رواية مسلم، فيقول: "وعزتي ليس ذاك لك وعزتي" ... إلخ؛ لأن المراد أن لا يباشر الإخراج، كما في المرات الماضية، بل كانت شفاعته سببًا في ذلك في الجملة، "وإسناده كما قال ابن كثر جيد" أي: مقبول، "وليس المراد حصر خصائصه عليه الصلاة والسلام في هذه الخمس المذكورة" كما يعطيه المفهوم، "فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا" أي أنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم" أي: جمع المعاني الكثيرة في ألفاظ يسيرة، وقيل: إيجاز الكلام في اتساع من المعنى، فالكلمة القليلة الحروف تتضمن كثيرًا من المعاني وأنواعًا من الكلام، "ونصرت بالرعب" يقذف في قلوب أعدائي مسيرة شهر، وللطبراني عن السائب بن يزيد: "ونصرت بالرعب شهرًا أمامي وشهرًا خلفي"، "وجعلت لي الأرض مسجدًا" وطهورًا، بفتح الطاء، وفيه أن الأصل في الأرض الطهارة وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني لذلك، وأما حديث: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" فضعيف، أخرجه الدارقطني من حديث جابر، واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي، قال: لأن الآدمي خلق من ماء وتراب، وقد ثبت أن كلا منهما طهور، ففي ذلك بيان كرامته، قال في الفتح، "وأرسلت إلى الخلق كافة" إرسالة عامة محيطة بهم، لأنها