كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)

ومنها: أنه وكل بقبره ملك يبلغه صلاة المصلين عليه.
__________
كانوا موجودين أحياء، ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله تعالى بكرامة من أوليائه، انتهى، ولا تدافع بين رؤيته موسى يصلي في قبره، وبين رؤيته في السماء لأن للأنبياء مراتع ومسارح يتعرفون فيما شاءوا، ثم يرجعون، أو لأن أرواحهم بعد فراق الأبدان في الرفيق الأعلى، ولها إشراق على البدن وتعلق به، فيتمكنون من التعرف والتقرب، بحيث يرد السلام على المسلم، وبهذا التعلق رآه يصلي في قبره، ورآه في السماء، ورأى الأنبياء في بيت المقدس وفي السماء كما أن نبينا بالرفيق الأعلى، وبدنه في قبره يرد السلام على من يسلم عليه، ولم يفهم هذا من قال: رؤيته يصلي في قبره منامية، أو تمثيل، أو إخبار عن وحي، لا رؤية عين، فكلها تكلفات بعيدة.
وأخرج البيهقي في كتاب حياة الأنبياء والحاكم في تاريخه، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، ولكن يصلون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور".
قال الحافظ في سنده: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ، قال: وأما ما أوردهم الغزالي والرافعي، بلفظ: "أنا أكرم على ربي أن يتركني في قبري بعد ثلاث"، فلا أصل له إلا إن أخذ من رواية ابن أبي ليلى هذه، وليس الأخذ بجيد إذ تلك قابلة للتأويل، قال البيهقي: إن صح، فالمراد أنهم لا يتركون يصلون، إلا هذا المقدار، ويكونون مصلين بين يدي الله.
"ومنها: أنه وكل بقبره ملك" قائم على قبره إلى يقوم اليامة، "يبلغه صلاة المصلين عليه" بلفظ محمد وأحمد وغيرهما من أسمائه، كالعاقب والماحي، ولام المصلين للاستغراق، فهي للعموم، وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال ككون المصلي جنبًا، أو متعاطيًا لمحرم، أو في مكان لا يذكر الله فيه كالأخلية، ولا مانع من ذلك لجواز أن النهي لأمر خارج، وهو لا ينافي التبليغ الذي يترتب عليه الثواب، ويبلغها له عقب التلفظ بها، كما روى الديلمي عن أبي بكر، رفعه: "أكثروا الصلاة عليّ، فإن الله وكل بي ملكًا عند قبري، فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان بن فلان يصلي عليك الساعة"، وبه سقط توهم أنه لا حاجة إلى ذلك لأن أعمال أمته كلها تعرض عليه، والصلاة من جملتها لأنها تعرض ساعة التلفظ بها، وهو غير وقت عرض الأعمال، ولذا جعلوا من أدلة حياته على الدوام، وأن روحه لا تفارقه أبدًا، قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام"، رواه أبو داود بهذا اللفظ لاستحالة خلو الوجود كله من أحد يسلم عليه عادة، ويأتي إن شاء الله

الصفحة 370