كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
فما من أحد يصلي عليّ صلاة إلا أبلغنيها".
__________
أي: قوة يقتدر بها على سماع ما ينطق به كل مخلوق من إنس وجن وغيرهما "فما" وفي رواية: فليس "من أحد يصلي علي صلاة إلا" سمعها و"أبلغنيها".
زاد الطبراني في روايته: "وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد صلاة إلا صلى عليه عشر أمثالها" للطبراني أيضًا عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملكًا أعطاه أسماع الخلائق كلها، وهو قائم على قبري، إذا مت إلى يوم القيامة، فليس أحد من أمتي يصلي عليّ صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه، وقال: يا محمد صلى عليك فلان من فلان، فيصلي الرب تبارك وتعالى عليه بكل واحدة عشرًا".
وروى الخطيب عن أبي هريرة، مرفوعًا: "من صلى عليّ عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيًا وكل الله به ملكًا يبلغني"، ورواه الديلمي بلفظ: "نائيًا أبلغته" أي: بعيدًا أبلغنيه الملك، فظاهره أن تبليغه ما لم يكن المصلي عند القبر الشريف، وإلا سمعه صلى الله عليه وسلم بنفسه.
قال الشهاب بن حجر في فتاويه: والذي يظهر أن المراد بالعندية أن يكون في محل قريب من القبر، بحيث يصدق عليه عرفًا أنه عنده، وبالبعد عنه ما عدا ذلك، وإن كان بمسجده صلى الله عليه وسلم وفي القول البديع: إذا كان المصلي عند قبره الشري سمعه صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، سواء كان ليلة الجمعة أو غيرها، وما يقوله بعض الخطباء ونحوهم أنه يسمع بأذنيه في هذا اليوم من يصلي عليه، فهو مع حمله على القريب لا مفهوم له، وسئل النووي عمن حلف بالطلاق الثلاث؛ أنه صلى الله عليه وسلم يسمع الصلاة عليه هل يحنث أم لا؟ فأجاب: لا يحكم عليه بالحنث للشك في ذلك، والورع أنه يلزمه الحنث انتهى، لكن يعارضه خبر: "من صلى علي عند قبري، وكل الله به ملكًا يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعًا، أو شهيدًا يوم القيامة". وجمع صاحب الجوهر المنظم بأنه يسمع الصلاة والسلام عند قبره بلا واسطة، ويبلغه الملك أيضًا إشعارًا بمزيد خصوصيته والاعتناء بشأنه، والاستمداد له بذلك.
وروى الطبراني وغيره عن الحسن بن علي، رفعه: "حيثما كنتم فصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني"، ومعناه: لا تتكلفوا المعاودة إلى قبري، لكن الحضور فيه مشافهة أفضل من الغيبة والمنهي عنه الاعتياد الرافع للحشمة، المخالف لكمال المهابة.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال صلى الله عليه وسلم: "إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن" أكثركم عليّ صلاة في الدنيا، من صلى عليّ يوم الجمعة، وليلة الجمعة قضى الله له مائة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله بذلك ملكًا يدخله في قبري، كما يدخل عليكم الهدايا، يخبرني بمن صلى علي باسمه، ونسبه إلى عشيرته، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء".