كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
وتعرض أعمال أمته عليه، ويستغفر لهم، روى بن المبارك عن سعيد بن المسيب قال: "ليس من يوم إلا وتعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أعمال أمته غدوة وعشيًا فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم".
__________
وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي هريرة، وابن عدي عن أنس مرفوعًا: "أكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء، واليوم الأزهر، فإن صلاتكم تعرض عليّ"، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي: بليت، فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"، أي: لأنها نور، وهو لا يتغير بل ينتقل من حالة إلى حالة.
وروى ابن ماجه برجال ثقات عن أبي الدرداء مرفوعًا: "أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدًا لن يصلي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ منها" قلت: وبعد الموت؟ قال: "وبعد الموت، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"، أي: عرضت علي عرضًا خاصًا، زيادة شرف للمصلي في ذلك اليوم فلا ينافي أنها تعرض عليه في أي وقت صلى عليه ولذا قال: "أكثروا من الصلاة عليّ في يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن فعل ذلك كنت له شهيدًا وشافعًا يوم القيامة"، رواه البيهقي عن أنس بإسناد ضعيف لكنه حسن لشواهده، أي: شهيدًا بأعماله التي منها الصلاة عليّ، وشافعًا له شفاعة خاصة اعتناء به، وإلا فشفاعته عامة، ووجه مناسبة الإكثار من الصلاة عليه يوم القيامة وليلتها أن يومها سيد أيام الأسبوع، والنبي صلى الله عليه وسلم سيد الخلق فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره، وأيضًا فكل خير تناله الأمة في الدارين إنما هو بواسطته، وأعظم كرامة تحصل لهم في يوم الجمعة، وهي بعثهم إلى منازلهم في الجنة، وكما أنه عيد لهم في الدنيا، فكذا في الأخرى فإنه يوم المزيد الذي يتجلى لهم الحق تعالى فيه، وهذا حصل لهم بواسطته؛ فمن شكره إكثار الصلاة عليه فيه، وذكر أبو طالب في القوت: أن أقل الأكثرية ثلاثمائة مرة، وورد في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ألفاظ كثيرة، أشهرها: اللهم صلى على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في المقصد السابع والأخير.
"وتعرض عليه أعمال أمته" حسنها وسيئها فيحمد الله على حسنها، "ويستغفر لهم" سيئها، وروى البزار بسند جيد عن ابن مسعود، رفعه: "حياتي خير لكم ومماتي خير لكم، تعرض عليّ أعمالكم، فما كان من حسن حمدت الله عليه، وما كان من سيئ استغفرت الله لكم" أي: طلبت مغفرة الصغائر وتخفيف عقوبات الكبائر، وظاهره أن المراد عرض أعمال المكلفين، إذ غير المكلف لا ذنب له، ويحتمل العموم، وذلك العرض كل يوم مرتين كما "روى ابن المبارك" عبد الله، الذي تستنزل الرحمة بذكره "عن سعيد بن المسيب" التابعي الجليل ابن الصحابي، "قال: ليس من يوم إلا وتعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أعمال أمته غدوة وعشيًا" زيادة إكرام لهم، "فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم" فيحمد الله ويستغفر لهم، فإذا علم المسيء ذلك قد