كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
ومنها أن ما بين منبره وقبره روضة من رياض الجنة، رواه البخاري بلفظ: "ما بين بيتي ومنبري"، وهذا يحتمل الحقيقة والمجاز.
أما الحقيقة: فبأن يكون ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بأنه من الجنة مقتطعًا منها، كما أن الحجر الأسود منها.
__________
قال السيوطي: وهو الأصح، وقيل: منبر يوضع له هناك، وقيل: التعبد عنده يورث الجنة، فكأنه قطعة منها، واستبعد الثاني بأن في رواية أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة، رفعه: "منبري هذا على ترعة من ترع الجنة" فاسم الإشارة ظاهرًا، وصريح في أنه منبره في الدنيا، والثالث: بأنه لا يكون خصوصية له، إذا التعبد في أي مكان يورث الجنة، اللهم إلا أن يجاب عن المصنف بأن المعنى لم يختلف أحد في أن المنبر على ظاهره، وإن اختلفوا في أنه الذي كان في الدنيا أو غيره، وفي أنه على حذف مضاف، أي: العمل عنده أم لا؟ ويحتمل أن لفظ أحد بمعنى الجماعة، أي: لم يختلف جماعة في هذا، وإن اختلف غيرهم على نحو قول البيضاوي في: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} أحد في معنى الجمع لوقوعه في سياق النفي، أو إن أحد بمعنى واحد، كما في القاموس، أي: لم يتردد واحد في ذلك، فلم يقل أراد بالمنبر المقام، وهذا قريب مما قبله لكن قال شيخنا: تقريرًا هذا من حيث اللفظ، ومرادهم بمثله حكاية الاتفاق، فالأقرب الأول.
"ومنها: أن ما بين منبره وقبره روضة من رياض الجنة، رواه البخاري" ومسلم وغيرهما، "بلفظ: "ما بين بيتي ومنبري" ووقع في رواية ابن عساكر للبخاري في فضل المدينة من صحيحه: وقبري بدل بيتي، قال الحافظ: وهو خطأ، فقد قدم البخاري الحديث في كتاب الصلاة بإسناده بلفظ: بيتي، وكذا هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه، نعم وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار برجال ثقات، وابن عمر عند الطبراني بلفظ: قبري، فعلى هذا المراد بالبيت في قوله: بيتي أحد بيوته لا كلها، وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره، وقد ورد الحديث بلفظ: "ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة"، أخرجه الطبراني في الأوسط، "وهذا يحتمل الحقيقة" بأن يكون على ظاهره ولم يثبت خبر عن بقعة بخصوصها أنها من الجنة إلا هذه البقعة، "والمجاز. أما الحقيقة فبأن يكون ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بأنه من الجنة مقتطعًا منها" نقل ابن زبالة أن ذرع ما بين المنبر والبيت الذي فيه القبر الآن ثلاث وخمسون ذراعًا، وقيل: أربع وخمسون وسدس وقيل: خمسون إلا ثلثي ذراع.
قال الحافظ: وهو الآن كذلك، فكأنه نقص لما أدخل بين الحجرة في الجدار "كما أن الحجر الأسود منها" كما قال صلى الله عليه وسلم: "الحجر الأسود من الجنة"، رواه أحمد عن أنس والنسائي