كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)

يديه ركوة يتوضأ منها، وجهش الناس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا ماء نشربه إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور من بين أصابعه، كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة.
وقوله: "يثور"
__________
عطش" بكسر الطاء "الناس يوم الحديبية" بالتخفيف والتشديد، "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة" مثلث الراء: إناء صغير من جلد يشرب فيه، لفظ البخاري في الموضعين فتوضأ "منها" قال الحافظ: كذا وقع في هذه الرواية، ووقع في الأشربة من طريق الأعمش عن سالم؛ أن ذلك لما حضرت صلاة العصر، "جهش"، بفتح الجيم والهاء، بعدها معجمة "الناس" أي: أسرعوا لأخذ الماء، وللكشميهني: فجهش بزيادة فاء في أوله، "نحوه" عليه السلام، وقال المصنف: بفتح الجيم، والهاء والشين المعجمة، أي: أسرعوا إلى الماء منتهين لأخذه، ولأبي ذر بكسر الهاء، وللحموي والمستملي جهش بإسقاط الفاء وفتح الهاء انتهى، فما يوجد في كثير من نسخ المتن، وجهش بواو، بل الجيم مخالف للروايتين، "فقال" وفي رواية: قال بلا فاء، "ما لكم" أي: أي شيء عرض لكم حتى جهشتم إلى "قالوا: يا رسول الله! ليس عندنا ماء نتوضأ به، ولا ماء نشربه" وماء بالهمز في اليونينية، وفي بعض النسخ لم يضبطها "إلا ما بين يديك" ومعلوم أنه لا يكفي، وجعلوا ما بين يديه عندهم، لعلمهم أنه لا يمنعهم منه، فالاستثناء متصل، "فوضع" صلى الله عليه وسلم "يده في الركوة، فجعل الماء يثور" بالمثلثة للأكثر، وللكشميهني بالفاء، وهما بمعنى، أي: ينبع الماء ويرتفع لزيادته "من بين أصابعه، كأمال العيون" أي: مائها الذي يخرج منها، والغرض وصف الماء الخارج من أصابعه بالكثرة.
وقال بعض: أي: كان بين كل أصبعين من أصابعه عين ماء نابعة، "فشربنا وتوضأنا، قلت" هو مقول سالم بن أبي الجهد راويه عن جابر، أي: قلت له "كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا" ذلك الماء لما شاهد من ثورانه الدال على عدم انقطاعه، "كنا خمس عشرة مائة" يعني: ألفًا وخمسمائة.
قال الطيبي: عدل عن الظاهر لاحتمال التجوز في الكثرة والقلة، وهذا يدل على أنه اجتهد فيه، وغلب على ظنه المقدار، لكن يخالفه قول البراء عند البخاري: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، ورجح البيهقي هذه الرواية على الأولى، بل قيل: إنها وهم، وجمع بأنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال: وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال: وأربعمائة ألغاه، ويؤيده رواية البخاري من وجه آخر عن البراء: كنا ألفًا وأربعمائة أو أكثر، فأو بمعنى بل تفيد ذلك، واعتمد

الصفحة 9