كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
ولم يتحد نبي من الأنبياء بالفصاحة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، لأن هذه الخصوصية لا تكون لغير الكتاب العزيز، وهل فصاحته صلى الله عليه وسلم في جوامع الكلم التي ليست من التلاوة ولكنها معدودة من السنة، هل تحدى بها أم لا؟ وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: "أوتيت جوامع الكلم" أنه من التحدث بنعمة الله تعالى عليه وخصائصه، ولا خلاف أنها باعتبار ما اشتملت عليه من الإخبار بالمغيبات ونحوها معجزة.
وأما ما أعطيه يوسف عليه الصلاة والسلام من شطر الحسن، فأعطي نبينا صلى الله عليه وسلم الحسن كله، وستأتي الإشارة إلى ذلك إن شاء الله
__________
المتبوعين عند الاتباع، ودرء الشبهة، ودفع الشكوك، كما بسطه ابن المنير، قائلا: "ولم يتحد نبي من الأنبياء بالفصاحة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، لأن هذه الخصوصية لا تكون لغير الكتاب العزيز" لأن غيره لا يقاربه في الفصاحة، ولم يقصد به الإعجاز، وهذا مستأنف لبيان الواقع، ويحتمل أنه عطف علة على معلول، يعني أن فصاحته ليست معجزة، لأنها ما تحدى بها، ولم يثبت أن غير نبينا تحدى بذلك، لكن إنما يتم هذا لو كان التحدي شرطًا، مع أنه ليس بشرط، بل يكفي وقوعها بعد دعوى النبوة، سواء طلب المعارضة به أم لا، وإلا لزم أن أكثر الخوارق ليست معجزة، إذ لم يتحد بغير القرآن، كما مر، "وهل فصاحته" أي: نبينا "عليه السلام" ولفظ ابن المنير: واختلف الناس في فصاحته "في جوامع الكلم التي ليست من التلاوة" أي: القرآن، "ولكنها معدودة من السنة، هل تحدى بها أم لا؟ " كذا في النسخ الصحيحة: هل بلا واو، بدل مفصل من مجمل قوله: أو لا، وهل فصاحته، فهو مساو لجعل ابن المنير قوله: هل بيانًا لقوله: اختلف، فما يوجد في بعض نسخ المصنف، وهل تحدى بزيادة واو فيه شيء، ويحتاج إلى تقدير خبر لقوله: أو لا هل فصاحته، أي: معجزة أم لا؟
"وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: "أوتيت جوامع الكلم" أنه من التحدث بنعمة الله تعالى عليه" ومزاياه، عنده "وخصائصه" فهو دليل القول؛ بأنه لم يتحد بها، "ولا خلاف أنها باعتبار ما اشتملت عليه من الأخبار بالمغيبات ونحوها معجزة" كالقرآن، ولا يضر اشتماله على بلاغات تزيد عليها؛ لأن الكلام، وإن بلغ أعلى طبقات البلاغة، أو قارب تتفاوت مراتبه.
"وأما ما أعطيه يوسف عليه الصلاة والسلام من شطر الحسن" أي: نصفه، "فأعطي نبينا صلى الله عليه وسلم الحسن كله" لكن مهابته منعت رؤيته على وجهه، ولذا قال القرطبي: لم يظهر لنا تمام حسنه، لأنه لو ظهر ما أطاقت الأعين رؤيته صلى الله عليه وسلم، "وستأتي الإشارة إلى ذلك إن شاء الله