كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)

نبذة من ذلك إن شاء الله تعالى.
وأما ما أعطيه داود عليه الصلاة والسلام من تليين الحديد له، فكان إذا مسح الحديد لان، فأعطي نبينا صلى الله عليه وسلم أن العود اليابس أخضر في يده وأورق، ومسح صلى الله عليه وسلم شاة أم معبدة الجرباء، فدرت.
وأما ما أعطيه سليمان عليه الصلاة والسلام من كلام الطير وتسخير الشياطين والريح، والملك الذي لم يعطه أحد من بعده، فقد أعطي
__________
نبذة" بضم النون "من ذلك إن شاء الله تعالى" في الفصل الثاني من المقصد الثامن.
"وأما ما أعطيه داود عليه الصلاة والسلام من تليين الحديد له" كما قال تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} الآية، "فكان إذا مسح الحديد لان", الله جعله في يده، كالعجين والشمع يمزقه كيف شاء من غير إحماء، ولا طرق بآلة أو بقوة، "فأعطي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أن العود اليابس اخضر في يده وأورق، ومسح صلى الله عليه وسلم شاة أم معبدة الجرباء": صفة شاة "فدرت"، وقصتها في الهجرة مرت.
"وأما ما أعطيه سليمان عليه الصلاة والسلام من كلام الطير" أي: نطقه مصدر مضاف لفاعله، أي: أن سليمان علم منطق الطير المعتاد له، لا أن الطير نفسه خرج عن عادته، فنطق بالعربية، كما وقع لنبينا في الظبية والذئب، بل وفي الجماد وغيره، فإنه لم يرد نطق الطير لسليمان وإنما فهم سليمان من تصويته معنى، كما أشار إليه البيضاوي في قوله تعالى: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} الآية، إذ قال: ولعل سليمان مهما سمع صوته علم بقوته القدسية النخيل الذي صوته، والغرض الذي توخاه به، ومن ذلك ما حكي؛ أنه مر ببلبل يصوت ويرقص، فقال: يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء، وصاحت فاختة، فقال: إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا، فلعل صوت البلبل كان عن شبع وفراغ بال، وصياح الفاختة عن مقاساة: شدة وتألم قلب، "وتسخير الشياطين"، كما قال: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} الآية، أي: من أن يفسدوا ما عملوا، لأنهم إذا فرغوا من العمل قبل الليل أفسدوه، إن لم يشتغلوا بغيره، وكما قال: والشياطين كل بناء وغواص وآخذت مقرنين في الأصفاد، أي: يبني الأبنية العجيبة، وغواص في البحر يستخرج اللؤلؤ، ومقرنين مشدودين في الأصفاد: القيود بجمع أيديهم إلى أعناقهم ليكفوا عن الشر "والريح" كما قال: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً} الآية، أي: لينه حيث أصاب، أي: أراد {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} ، "والملك الذي لم يعطه أحد من بعده، فقد أعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وزيادة"

الصفحة 96