كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وزيادة.
أما كلام الطير والوحش فنبينا صلى الله عليه وسلم كلمه الحجر، وسبح في كفه الحصى، وهو جماد، وكلمه ذراع الشاة المسمومة -كما تقدم في غزوة خيبر- وكذلك كلمه الظبي وشكا إليه البعير -كما مر- وروي أن طيرًا أفجع بولده فجعل يرفرف على رأسه ويكلمه فيقول: "أيكم فجع هذا بولده"، فقال رجل أنا, فقال: "اردد ولده". ذكره الرازي ورواه أبو داود بلفظ: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش -أي تدنو- من الأرض، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها"، الحديث
__________
وبينه بقوله: "أما كلام الطير والوحش، فنبينا صلى الله عليه وسلم كلمه الحجر" بكلام فهمه المصطفى وغيره، "وسبح في كفه الحصى" حتى سمعه الحاضرون، "وهو جماد" فهو أبلغ إعجازًا، "وكلمة ذراع الشاة المسمومة، كما تقدم في غزوة خيبر" وهو قوي في الإعجاز، أبلغ من إحياء الإنسان الميت، لأنه جزء حيوان دون بقيته، فهو معجزة لو كان متصلا بالبدن، فكيف وقد أحياه وحده منفصلا عن بقيته مع موت البقية، وأيضًا فقد أعاد عليه الحياة مع الإدراك والعقل، ولم يكن يعقل في حياته، فصار جزؤه حيًا عاقلا، وأقدره الله على النطق والكلام، ولم يكن حيوانه يتكلم، وهذا أبلغ من إحياء الموتى لعيسى، وإحياء الطيور لإبرهيم، "وكذلك كلمه الظبي" والضب، وسمعه حاضروه، "وشكا إليه البعير، كما مر" قريبًا.
"وروي؛ أن طيرًا أفجع" أصيب "بولده، فجعل يرفرف" يبسط جناحيه، يريد أن يقع "على رأسه" صلى الله عليه وسلم بدليل قوله: ويكلمه، فيقول: "أيكم، فجع هذا بولده"؟، فقال رجل: أنا، فقال: "اردد ولده"، ذكره الرازي" الإمام فخر الدين، "ورواه أبو داود" والحاكم، وصححه عن ابن مسعود، "بلفظ: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة" بضم الحاء المهملة، وشد الميم المفتوحة، وقد تخفف، وبالراء ضرب من الطير، كالعصفور، "معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تفرش" بضم الراء وكسرها، "أي: تدنو من الأرض، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية الطيالسي والحاكم: فجاءت الحمرة ترف على رسول الله وأصحابه، فقال: "من فجع هذا بولدها؟ ردوا ولدها إليها" الحديث تتمته: ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: "من حرق هذه"؟ قلنا: نحن، قال: "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار" , وقرية النمل موضعه.

الصفحة 97