كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 7)
وأيضًا: فالريح سخرت لسليمان لتحمله إلى نواحي الأرض، ونبينا صلى الله عليه وسلم زويت له الأرض -أي جمعت- حتى رأى مشارقها ومغاربها، وفرق بين من يسعى إلى الأرض, وبين من تسعى له الأرض.
وأما ما أعطيه من تسخير الشياطين فقد روي أن أبا الشياطين إبليس اعترض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فأمكنه الله منه وربطه بسارية من سواري المسجد. وخير مما أوتيه سليمان من ذلك إيمان الجن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فسليمان استخدمهم ومحمد استسلمهم.
__________
الصعود على البراق، كما قد يتوهم بعض الناس بل كان البراق مربوطًا على باب مسجد بيت المقدس ليرجع عليه إلى مكة، "وأيضًا فالريح سخرت لسليمان لتحمله إلى نواحي الأرض، ونبنيا صلى الله عليه وسلم" لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه "زويت له الأرض" بالزاي المنقوطة، أي: جمعت "حتى رأى مشارقها ومغاربها" وما يبلغه ملك أمته منها، "وفرق بين من يسعى إلى الأرض، وبين من تسعى له الأرض" وهو المصطفى.
"وأما ما أعطيه من تسخير الشياطين" في الأعمال الشاقة، كالبناء والغوص يعملون له ما يشاء من محاريب، وهي أبنية مرتفعة، يصعد إليها بدرج وتماثيل: جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء، أي: صورًا من نحاس وزجاج، ورخام ولم يكن اتخاذ الصور حرامًا في شريعته، وجفان: جمع جفنة، كالجوابي: جمع جابية، وهي حوض كبير يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها، وقدور راسيات ثابتات، لها قوائم لا تحرك عن أماكنها، تتخذ من الجبال باليمن، يصعد إليها بسلالم.
"فقد روي أن أبا الشياطين إبليس اعترض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فأمكنه الله منه، وربطه بسارية من سواري المسجد" النبوي، لكن الذي روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الشيطان عرض لي، فشد عليّ ليقطع الصلاة عليّ، فأمكنني الله منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه، فذكرت قول سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} الآية، فرده الله خاسئًا"، وأخرجه مسلم والبخاري أيضًا بلفظ: "إن عفريتا من الجن تفلَّت عليّ البارحة ليقطع عليّ الصلاة"، فذكره، وهذا ظاهر في أن المراد غير إبليس، كما قال الحافظ: وهو نص في أنه تمكن منه، لكنه لم يربطه مراعاة لسليمان, وذعته بذال معجمة، وعين مهملة خفيفة، وفوقية ثقيلة: خنقته خنقًا شديدًا، "وخير مما أوتيه سليمان من ذلك" التسخير "إيمان الجن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فسليمان استخدمه" ولم يؤمنوا به، "والنبي صلى الله عليه وسلم استسلمهم" ولا شيء أعلى من الإسلام.