كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

الصَّيْدِ، و «رِمَاحُكُمْ» يعني: الكِبَار من الصَّيْدِ «لِيَعْلَمَ اللَّهُ» قاله الواحدي وغيره، وقال مُقَاتِل بن حيان: كانت الوُحُوشُ والطَّيْر تَغْشَاهُم في رِحَالِهِم، حتى يَقْدِرُون على أخْذِهَا بالأيدي، وصَيْدِهَا بالرِّمَاحِ.
وقال بعضهم: هذا غَيْر جَائزٍ؛ لأن الصَّيْد المُتوحِّش هو المُمْتَنِعُ دون ما لاَ يَمْتَنِع.
«ليَعْلَمَ اللَّهُ» قيل: اللامُ متعلِّقةٌ ب «لَيَبْلُونَّكُمْ» ، والمعنى: ليتميَّزَ أو ليظهر لكم، وقد مضى تحقيقُه في البقرة، وأنَّ هذه تسمَّى لام كي، وقرأ بعضهم: «لِيُعْلِمَ» بضم الياء وكسر اللام من «أعْلَمَ» ، والمفعول الأوَّل على هذه القراءة محذوفٌ، أي: لِيُعْلِمَ اللَّهُ عِبَادَهُ، والمفعول الثاني هو قوله: «مَنْ يَخَافُهُ» فَ «أعْلَمَ» منقولةٌ بهمزة التعدية لواحدٍ بمعنى «عَرَفَ» وهذا مجازٌ؛ لأنَّه - تعالى - عَالِمٌ لَمْ يَزَلْ ولا يَزَالُ، واخْتَلَفُوا في معناه، فَقِيلَ، يعامِلُكُم مُعَامَلَةَ من يَطْلُبُ أنْ يَعْلَمَ، وقيل: لِيظهر المَعْلُوم، وهو خَوْفُ الخَائِفِ، وقيل: هذا بِحَذْفِ المُضَافِ والتَّقْدِيرٌ: لِيَعْلَمَ أوْلِيَاءُ اللَّهِ من يَخَافُهُ بالغَيْبِ، وقِيلَ: ليرى اللَّه لأنَّهُ قَدْ عَلِمَهُ.
وقوله تعالى: «بالغَيْبِ» أي: يَخَافُ اللَّه ولمْ يَرَه، كقوله تعالى: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب} [الأنبياء: 49] أي: يَخَافُون، فلا يَصْطَادُون في حال الإحرامِ، وكقوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3] ، وقيل: معنى يَخَافُهُ بالغَيْبِ أي: بإخلاصٍ وتحْقِيقٍ، ولا يختلف الحالُ بسِبَبِ حضُورِ واحدٍ أو غَيْبَتِهِ، كما في حقِّ المُنَافِقِين الذين {إِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قالوا إِنَّا مَعَكْمْ} [البقرة: 14] . قوله تعالى: «بالغَيْبِ» في محلِّ نصب على الحال من فاعل «يَخَافُهُ» ، أي: يخافُه مُلْتَبِساً بالغيبِ، وقد تقدَّم معناه في البقرة [الآية 3] .
والمعنى: من يخافُهُ حال كونهِ غَائباً عن رُؤيتِهِ، كقوله تعالى: {مَّنْ خَشِيَ الرحمن بالغيب} [ق: 33] .
وجوَّز أبو البقاء ثلاثة أوجه:
أحدها: ما ذكرناه.
والثاني: أنه حالٌ مِنْ «مَنْ» في «مَنْ يَخَافُهُ» .
والثالث: أنَّ الباءَ بمعنى «في» ، والغيب مصدرٌ واقعٌ موقع غائبٍ، أي: يخافه في المكانِ الغائب عن الخَلْقِ، فعلى هذا يكونُ متعلِّقاً بنفْسِ الفعل قبله، وعلى الأوَّلَيْن يكونُ متعلِّقاً بمحذوفٍ على ما عُرِف.

الصفحة 514