كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)
ضَرْبٍ زَيْدٍ» ذكر ذلك الزمخشريُّ وغيره، وبَسْطُ ذلك؛ أنَّ الجزاءَ هنا بمعنى القضاء، والأصلُ: فعليه أن يُجْزَى المقتولُ من الصيْدِ مثله من النَّعَمِ، ثم حُذِف المفعولُ الأوَّلُ؛ لدلالة الكلامِ عليه، وأُضيفَ المَصْدَرُ إلى ثانيهما؛ كقولك: «زَيْدٌ فَقِيرٌ ويُعْجِبُنِي إعْطَاؤُكَ الدِّرْهم» ، أي: إعطاؤكَ إيَّاه، ومنها: أنَّ «مِثْل» مُقْحَم؛ كقولهم: «مِثْلُكَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ» ، [أي: أنْتَ لا تفعَلُ ذلك] وأنَا أكْرِمُ مثلك أيْ: أنا أكْرِمُكَ، ونحو قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137] أي: بِمَا آمَنْتُمْ به، وكقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، والتقديرُ ليس كهو شيءٌ ف «مِثْل» زائدةٌ. وقوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات} [الأنعام: 122] ، ومِنْهَا أن يكونَ المعنى «فَجَزَاءٌ من مِثْلِ ما قَتَلَ من النَّعَم» كقولك: «خَاتِمُ فضَّة» أي: «خاتمٌ من فضةٍ» ، وهذا خلاف الأصْلِ فالجوابُ ما تقدَّم و «مَا» يجوزُ أن تكون موصولةً اسميَّة، أو نكرةً موصوفةً، والعائدُ محذوفٌ على كلا التقديرين، أي: مثلُ ما قَتَلَهُ من النَّعَمِ.
فَمَنْ رفع «جَزَاء» ففيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه مرفوع بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ، تقديرُه: فعليه جزاء.
والثاني: أنه خبرٌ لمبتدأ محذوف، تقديرُه: فالواجبُ جزاء.
والثالث: أنه فاعلٌ بفعل محذوف، أي: فيلزَمُه الجزاءُ، أو يَجِبُ عليه جزاءٌ.
الرابع: أنه مبتدأ وخبره «مِثْل» ، وقد تقدَّم أن ذلك مذهبُ أبي إسْحَاق الزجَّاج، وتقدم أيضاً رفع «مِثْل» في قراءة الكوفيين؛ على أحدِ ثلاثةِ أوجه: النعْتِ، والبدلِ، والخبرِ؛ حيث قلنا: «جَزَاء» مبتدأٌ عند الزجَّاج.
وأمَّا قراءةُ «فَجَزَاؤه مِثْلُ» ، فظاهرةٌ أيضاً، وأمَّا قراءة «فَجَزَاءٌ مِثْلَ» برفع «جَزَاءٌ» وتنوينه، ونصب «مِثْل» ، فعلى إعمال المصدر المنوَّنِ في مفعوله، وقد تقدَّم أنَّ قراءة الإضافة منه، وهو نظيرُ قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً} [البلد: 14 - 15] وفاعلُه محذوف، أي: فجزاءُ أحدِكُمْ أو القاتلِ، أي: أنْ يُجْزَى القاتلُ للصَّيْدِ، وأما قراءة: «فَجَزَاءً مِثْلَ» بنصبهما ف «جَزَاءً» منصوبٌ على المصدر، أو على المفعول به، و «مِثْلَ» صفتُه بالاعتبارين، والتقدير: فَلْيَجْزِ جَزَاءً مِثْلَ، أو: فَلْيُخْرِجْ جَزاءً، أو فليُغَرَّمْ جَزَاءً مِثْلَ.
قوله: «مِنَ النَّعَمِ» فيه ثلاثةُ أوجه:
أحدها: أنه صفةٌ ل «جَزَاء» مطلقاً، أي: سواءً رُفِعَ أم نُصِبَ، نُوِّن أم لم يُنَوَّنْ، أي: إنَّ ذلك الجزاءَ يكونُ من جنسِ النَّعَمِ، فهذا الوجهُ لا يمتنع بحالٍ.
الثاني: أنه متعلق بنفسِ «جَزَاء» ؛ لأنه مصدرٌ، إلا أنَّ ذلك لا يجوزُ إلا في قراءة من
الصفحة 518
640