كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

فصل
المُرَادُ بالمِثْلِ ما يَقْرُبُ من الصَّيدِ المقْتُولِ شَبَهاً من حيث الخِلْقَةِ، لا من حَيْثُ القِيمَة.
وقال محمَّدٌ بنُ الحسنِ: الصَّيدُ ضرْبَانِ: مَا لَهُ مِثلٌ، وما لا مِثْلَ له.
فما له مثلٌ يُضْمَنُ بِمِثْلِه من النَّعَمِ، وما لا مِثْلَ لَهُ يُضْمَنُ بالقِيمَة.
وقال أبو حَنيفَةَ وأبو يُوسُف: المِثْلُ الواجبُ هو القِيمَةُ.
فصل
إذا قَتَل المُحْرِمُ الصَّيْدَ وأدَّى جَزاءَه، ثم قتل صَيْداً آخَر لَزِمَه جَزَاء آخَر، وقال دَاوُدُ: لا يَجِبُ، وحجَّةُ الجُمْهُورِ هذه الآيَةُ، فإنَّ ظَاهِرَهَا يقْتَضِي أن يكُون علَّةُ وُجُوب الجَزَاءِ هو القَتْلُ، فوجَبَ أنْ يتكرَّر الحُكْمُ بِتكْرَارِ العِلَّةِ، فإن قيل: إذا قَالَ الرَّجُل لِنِسَائِهِ من دَخَلَتْ مِنْكنَّ الدَّارَ فِهِي طَالِقٌ، فدخلت واحِدَةٌ مرَّتَيْنِ، لم يقع الطَّلاق مرَّتَيْن.
فالجوابُ أنَّ القَتْلَ عِلَّة لوُجُوبِ الجَزَاء، فيلْزَمُ تكْرَار الوُجُوبِ لِتكْرارِ العِلَّةِ، وأمَّا دُخُولُ الدَّارِ فهو شَرْطٌ لوُقُوعِ الطَّلاق، فلَمْ يَلْزَم تكْرَارُ الحُكْم عند تكْرارِ الشَّرْط، واحْتَجَّ داوُدُ بقوْلِهِ تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} فجَزَاءُ العَائِدِ الانْتِقَامُ لا الكَفَّارةُ.
قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} في موضع نصْبٍ على الحال منه، أو على النَّعْتِ ل «جَزَاء» فيمَنْ نَصَبه، وخصَّصَ أبو البقاء كونه صفةً بقراءةِ تنوين «جَزَاء» ، والحالَ بقراءةِ إضافته، ولا فرقَ، بل يجوزُ أنْ تكون الجملةُ نعتاً أو حالاً بالاعتبارين؛ لأنه أذا أُضيفَ إلى «مِثْل» ، فهو باقٍ على تنكيرِه؛ لأنَّ «مِثْلاً» لا يتعرَّفُ بالإضافة، وكذا خَصَّصَ مكي الوصفَ بقراءةِ إضافةِ الجزاء إلى «مِثْل» فإنه قال: «ومِنَ النَّعَم في قراءةِ مَنْ أضافَ الجَزَاء إلى» مِثْل «صفةً ل» جَزَاء «، ويَحْسُنُ أنْ تتعلَّق» مِنْ «بالمصدر، فلا تكونُ صفةً، وإنما المصدرُ مُعَدى إلى» مِنَ النَّعَمِ «، وإذا جعلته صفةً، ف» مِنْ «متعلِّقةٌ بالخبرِ المحذوف، وهو فَعَلَيْهِ» ، وفي هذا الكلامِ نظرٌ مِنْ وجهَيْن:
أحدهما: قد تقدَّم، وهو التخصيصُ بقراءةِ الإضافة.
والثاني: أنه حين جعل «مِنَ النَّعَم» صفةً عَلَّقها بالخبرِ المحذوفِ لِمَا تضمَّنه من الاستقرار؛ وليس كذلك؛ لأنَّ الجارَّ، إذا وقعَ صفةً تعلَّقَ بمحْذوفٍ، ذلك المحذوفُ هو الوصفُ في الحقيقةِ، وهذا الذي جعله متعلَّقاً لهذه الصفةِ ليس صفةً للموصوف في الحقيقةِ، بل هو خبرٌ عنه؛ ألا ترى أنك لو قلت: «عِنْدِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ» أنَّ «مِنْ

الصفحة 520