كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

بَنِي» متعلِّقٌ بوصفٍ محذوفٍ في الحقيقة، لا بقولِكَ «عِنْدِي» ، ويمكن أن يُقال - وهو بعيدٌ جِدًّا - إنه أراد التعلُّقَ المعنويَّ؛ وذلك أنَّ العاملَ في الموصوفِ عاملٌ في صفته، و «عَلَيْهِ» عاملٌ في «جَزَاء» ، فهو عاملٌ في صفته، فالتعلُّقُ من هذه الحَيْثِيَّةِ، ولكن إنما يتأتَّى ذلك حيث جعلنا الخبرَ عاملاً في المبتدأ، أو قلنا: إنَّ الجارَّ يرفع الفاعلَ، ولو لم يعتمدْ وإنما ذكر هنا التوجيهاتِ؛ لأنَّ القائلين بذلك مِمَّنْ لا يُلْغَى قولهم بالكلية.
والألفُ في «ذَوَا» علامةُ الرفع؛ لأنه مثنى، وقد تقدَّم الكلامُ في اشتقاق هذه اللفظةِ وتصاريفها [الآية 177 البقرة] ، وقرأ الجمهورُ: «ذَوَا» بالألف، وقرأ محمد بن جعفر الصادق: «ذُو» بلفظِ الإفراد، قالوا: ولا يريدُ بذلك الوَحْدة، بل يريدُ: يحكُمُ به مَنْ هو مِنْ أهْلِ العدل، وقال الزمخشريُّ: «وقيل: أراد الإمام» فعلى هذا تكونُ الوحْدَةُ مقصودةً، و «مِنْكُمْ» في محلِّ رفع صفةً ل «ذَوَا» ، أي: إنهما يكونان من جنْسِكُمْ في الدِّين، ولا يجوزُ أن تكونَ صفةً ل «عَدْل» ؛ لأنه مصدرٌ قاله أبو البقاء، يعني: أن المصدرَ ليس مِنْ جنْسِهِمْ، فكيف يُوصَفُ بكونه منهم؟
فصل
المعنى يَحْكُمُ للجِزْاءِ رَجُلان عَدْلان قال ابنُ عبَّاسٍ: يريد يَحُكم به في جَزَاءِ الصَّيْدِ رجُلانِ صالِحَان مِنْكُم، مِنْ أهلِ قِبْلَتِكُم ودينِكُمْ، فَقيهان عدْلان، فَيَنْظُرَان إلى أشْبَه الأشْيَاءِ من النَّعَم، فَيَحْكُمَان به، ومِمَّن ذَهَبَ إلى إيجَابِ المِثْلِ من النَّعَمِ: عُمَرُ، وعُثمَانُ، وعَلِيٌّ، وعَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ عَوْف، وابنُ عُمَرَ، وابنُ عبَّاسٍ، وغَيْرِهِمْ من الصَّحَابَة حَكَمُوا في بُلْدَان مخْتَلِفَة، وأزْمان شَتَّى بالمِثْل من النَّعَمِ، فحكمَ حَاكِمُهُم في النَّعَامةِ بِبدَنَة، وهي لا تُسَاوي بَقَرَةً، وفي الضَّبعِ كَبْشٌ وهو لا يساوي كَبْشاً، فدلَّ على أنهم نَظَرُوا إلى ما يَقْرُب من الصَّيْد شَبَهاً من حَيْث الخِلْقَة.
ورُوِي عن عُمرَ، وعُثْمَان، وابن عباس: أنَّهم قَضَوْا في حَمَامِ مَكَّةَ بِشَاةٍ.
ورَوَى جَابِر بنُ عبد اللَّه: أنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ قَضَى في الضَّبعِ بكَبْشٍ، وفي الغَزَالِ بِعَنْزٍ، وفي الأرْنَبِ بِعنَاقٍ، وفي اليَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ.

الصفحة 521