كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

وقال مَيْمُونُ بن مَهْرَان: جاءَ أعْرَابيٌّ إلى أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق - رضي الله تعالى عنه - فقال: إنِّي أصيْتُ من الصَّيْد كَذَا وكَذَا، فسَألَ أبُو بكرٍ أبَيَّ بن كَعْبٍ، فقال الأعْرَابِيُّ: أتَيْتُكَ أسْألُكَ، وأنْتَ تَسألُ غَيْرَك، فقال أبُو بَكْرٍ: وما أنكَرْت من ذلك؟ قال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} فشاوَرْتُ صَاحِبي، فإذا اتَّفَقْنَا على شَيءٍ أمَرْناكَ بِهِ.
وعن قُبَيْصَة بن جَابِرٍ؛ أنه كان مُحْرِماً، فضرب ظْبياً فماتَ، فسأل عُمَرَ بن الخَطَّابِ، وكان إلى جَنْبِهِ عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ عَوْف، فقال عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَن: ما ترى، قال: عليه شاةٌ، قال: وأنا أرى ذَلِكَ، قال اذْهَبْ فأهْدِ شاةً، قال قُبَيْصَةُ: فَخَرَجْتُ إلى صَاحِبِي، وقُلْتُ: إنَّ أمير المُؤمنين لم يَدْرِ ما يقُولُ، حتى سألَ غَيْرَهُ.
قال فَفَجَأنِي عُمَرُ، وعلانِي بالدرَّة، وقال: أتَقْتُلُ في الحَرَمِ وتُسَفِّهُ الحُكْمَ؟ قال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} فأنا عُمَرُ، وهذا عَبْدُ الرحمن بنُ عوف. واحْتَجَّ أبُو حنيفَة في إيجَابِ القيمة بأنَّ التَّقْوِيمَ هو المُحْتَاجُ إلى النَّظَرِ والاجتِهَادِ، وأما الخِلْقَةُ والصُّورةُ فَظَاهِرةٌ لا يُحْتَاجُ فيها إلى الاجتهاد.
وأجيبُ: بأنَّ المُشَابَهَة بَيْنَ الصَّيْد وبين النَّعَمِ مخْتَلِفَةُ وكَثِيرة، فلا بد من الاجْتِهَادِ في تَمْييزِ الأقْوَى عن الأضْعَفِ.
فصل
الذي له مِثْل ضربان: فما حكمت فيه الصَّحَابَةُ بِحُكْمٍ، لا يُعْدَلُ إلى غَيْرِه؛ لأنَّهم شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ وحَضرُوا التَّأويل، وما لَمْ يَحْكُمْ فيه الصحابة، يُرْجَعُ إلى اجْتِهَادِ عَدْلَيْن.
وقال مَالِكٌ: يجب التَّحكيمُ فيما حَكَمَتْ به الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم -، وفيما لم تَحْكُمْ فِيهِ.
فصل
يجُوزُ أنَّ القَاتِلَ أحَدُ العَدْلَيْن، إن كان أخْطَأ فيه، فإنْ تَعمَّدَ فلا يجُوزُ؛ لأنه يُفَسَّقُ به.
وقال مالكٌ: لا يجُوزُ في تَقْويم المُتْلَفَاتِ، وأجيب: بأن اللَّه تعالى أوْجَبَ أن يَحْكُمَ به ذَوَا عدلٍ، وإذا صدرَ عَنْهُ القَتْلُ خَطَأ كان عدْلاً، فإذا حكمَ هُوَ وغَيْرُهُ، فَقَدْ حكمَ به ذوا عَدْل.
وقد رُوِيَ أنَّ بعضَ الصَّحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - أوْطَأ فرسهُ ظَبْياً، فسأل عُمَرَ عَنْهُ، فقال عُمَرُ: احْكُمْ، فقال: أنْتَ أعْدَلُ يا أمِيرَ المُؤمنين، فاحْكُمْ، فقال عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ

الصفحة 522