كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

فِضَّةٍ «بمعنى مِنْ فِضَّةٍ» ، قال أبو حيان: «أمَّا ما زعمه، فليْسَ من هذا الباب؛ لأنَّ» خَاتَم فِضَّةٍ «من باب إضافة الشيء إلى جنْسه، والطعامُ ليس جنساً للكفارةِ، إلا بتجَّوزٍ بعيدٍ جدًّا» . انتهى، قال شهاب الدين: كان مِنْ حَقِّه أن يقول: والكفَّارةُ ليستْ جنْساً للطَّعامِ؛ لأنَّ الكفارةَ في التركيب نظيرُ «خَاتَم» في أنَّ كلاًّ منهما هو المضافُ إلى ما بعده، فكما أن «خَاتَماً» هو المضافُ إلى جنسه ينبغي أن يُقالَ: الكفَّارةُ ليستْ جنْساً للطعام؛ لأجل المقابلةِ، لكنْ لا يمكنُ أن يُقال ذلك، فإنَّ الكفارةَ كما تقدَّم جنسٌ للطعامِ، والجزاءِ، والصَّومِ، فالطريقُ في الردِّ على الزمخشريِّ أن يُقال: شرطُ الإضافةِ بمعنى «مِنْ» : أن يُضاف جزءٌ إلى كلٍّ بشرطِ صدقِ اسم الكلِّ على الجزءِ؛ نحو: «خَاتَمُ فِضَّةٍ» ، و «كَفَّارةُ طعَامٍ» ليس كذلك، بل هي إضافة «كُلّ» إلى جزء، وقد استشكل جماعةٌ هذه القراءة؛ من حَيْثُ إنَّ الكفارةَ ليست للطعامِ، إنما هي لقتلِ الصيدِ، كذا قاله أبو عليٍّ الفارسيُّ وغيره، وجوابُه ما تقدَّم.
ولم يختلف السبعةُ في جمع «مَسَاكِينَ» هنا، وإن اختلفوا في البقرة، قالوا: والفرقُ بينهما أنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ لا يُجْزئُ فيه إطعامُ مِسْكِينٍ واحدٍ، على أنه قد قرأ عيسى بْنُ عُمَرَ والأعْرَجُ بتنوين «كَفَّارة» ، ورفع «طَعَامُ مسْكِينٍ» بالتوحيد، قالوا: ومرادُهما بيانُ الجِنْسِ، لا التوحيدُ.
قوله: «أوْعَدْلُ» نسقٌ على «فَجَزاءٌ» ، والجمهورُ على فتحِ العين، وقرأ ابن عباس وطلحة بن مُصَرِّف والجَحْدَرِي بكَسْرِهِا.
قال الفرَّاءُ: «العِدْل» بالكسر: ما عادَل الشَّيْء من جِنْسِهِ، والعدل: المِثْلُ، تقول: عندي عِدلُ غُلامِكَ أو شَاتِكَ إذا كان غلامٌ بِعِدْل غُلامه، أو شاةٌ تَعْدِلُ شَاتَهُ، أمَّا إذا أرَدْتَ قِيمَتَهُ من غير جِنْسِه نَصَبْتَ العَيْن، فقُلْت: عَدْل.
وقال أبو الهَيْثَم: العدل: المِثْل، والعِدْل: القِيمَةُ، والعَدْلُ: اسم مَعْدُولٌ بحمل آخر مُسَوى به، والعَدْل: تَقْوِيمُك الشَّيْء بالشيء من غير جِنْسِهِ.
وقال الزَّجَّاج، وابنُ الأعْرَابِيّ: العَدل والعِدْل سواءٌ، وقد تقدَّم الكلام عَلَيْه في البَقَرة: عند قوله: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [الآية: 48] .
قوله: «صِيَاماً» نصْبٌ على التميز كقولك: «عندي رَطلان عَسَلاً» لأنَّ المعنى: أو قَدْرُ ذلك صِياماً، والأصْلُ فيه إدْخَالُ حَرْفَيْنِ تقُولُ: رطلانِ من العَسَلِ، وعَدْلُ ذلك من الصِّيَام. [وأصل «صِياماً» : «صِوَاماً» فأعِلَّ كما تقدَّم مراراً] .

الصفحة 526