كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

الثالث: أنه متعلِّقٌ بالاستقرارِ المقدَّرِ قبل قوله: «فَجَزَاء» ؛ إذ التقديرُ: فعليهِ جزاءٌ لِيَذُوقَ.
الرابع: أنه متعلِّقٌ ب «صِيَام» ، أي: صَوْمُهُ لِيَذُوقَ.
الخامس: أنه متعلِّقٌ ب «طَعَام» ، أي: طعام لِيَذُوقَ، ذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو البقاء، وهي ضعيفةٌ جدًّا، وأجودُها الأولُ.
السادس: أنها تتعلَّقُ ب «عَدْلُ ذَلِكَ» ، نقله أبو حيان عن بعضِ المُعْرِبين، قال: «غَلَطٌ» .
والوَبَالُ: سوءُ العاقبةِ وما يُخاف ضَرَرُهُ، قال الراغبُ: والوَابِلُ: المطرُ الثقيلُ القَطْرِ، ولمراعاة الثِّقَلِ، قيل للأمرِ الذي يُخاف ضَرَرُه: وَبَال، قال تعالى: ف {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} [الحشر: 15] ، ويقال: «طَعَام وَبِيلٌ» ، و «كَلأٌ وَبِيلٌ» يُخافُ وبالُه؛ قال تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [المزمل: 16] ، وقال غيره: «والوبَالُ في اللغةِ؛ ثِقَلُ الشيءِ في المْكُروهِ، يقال:» مَرْعى وبَيلٌ «، إذا كان يُسْتَوْخَمُ، و» مَاءٌ وَبِيلٌ «إذا كان لا يُسْتَمْرَأ، واسْتَوْبَلْتُ الأرضَ: كرهتُها خَوْفاً من وبالِها» . والذَّوْقُ هنا استعارةٌ بليغةٌ.
وإنَّما سمَّى اللَّهُ تعالى ذلك وبالاً؛ لأنَّه خيَّره بين ثلاثةِ أشياء، اثْنَانِ منها تُوجبُ تَنْقيصَ المالِ، وهو ثَقِيلُ على الطَّبْعِ، وهما الجَزَاءُ بالمِثْلِ والإطْعَام، والثَّالِثُ يُوجِبُ إيلامَ البَدَنِ وهو الصَّوْم، وذَلِك أيْضاً يَثْقُلُ على الطَّبْع، وذلك حتَّى يَحْتَرِز عَنْ قَتْل الصَّيْد في الحَرَمِ، وفي حَالِ الإحْرَام.
قوله: {عَفَا الله عَمَّا سَلَف} يَعْنِي: قَبْلَ التَّحْرِيم، ونُزُولِ الآيَة وقال السدِّيُّ: عَمَا سَلَفَ في الجاهِليَّةِ.
وقيل: هذا إبْدَال على قَوْلِ من لا يُوجِبُ الجزاءَ، إلاَّ في المرَّةِ الأولَى، أمَّا في المرَّةِ الثَّانِية: فإنه لا يُوجِبُ الجَزَاءَ عليْه، ويقول: إنَّه أعْظمُ من أنْ يُكَفِّره التَّصَدُّق بالجَزَاءِ، فعلى هذا المُراد عَفَا اللَّهُ عما سَلَفَ في المرَّة الأولى بِسبَبِ أداءِ الجَزَاءِ، ومن عادَ إليه مرَّةً ثَانِية، فلا كفَّارة لجُرْمِهِ، بل اللَّهُ يَنْتَقِمُ منه، وحُجَّةُ هذا القول: أنَّ «الفاءَ» في قوله: {فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} فاءُ الجزَاءِ، والجَزَاء هو الكَافِي، فهذا يَقْتَضِي أنَّ هذا الانْتِقَامَ كما في هذا الذَّنْبِ، وكونهُ كَافِياً يَمْنَع من وجوبِ شَيْءٍ آخَر، فلا يَجِبُ عليه الجَزَاءُ.

الصفحة 528