كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

وقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر مَا دُمْتُمْ حُرُماً} ذكر تعالى تَحْرِيم الصَّيْدِ على المُحْرِم في ثلاثة مواضع من هذه السُّورة، وهي قوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] إلى قوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} [المائدة: 2] ، وقوله: {لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ، وقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر مَا دُمْتُمْ حُرُماً} ، واتَّفَقَ المُسْلِمُون على تَحْرِيم الصَّيْدِ على المُحْرِم، وهو الحيوان الوَحْشِيُّ الذي يَحِلُّ أكلُهُ، فأمَّا ما لا يَحِلُّ أكْلُهُ، فلا يَحْرُم بالإحْرَامِ، ويَحْرُمُ أخْذُه وقَتلُهُ، ولا جَزَاء على من قَتَلَه، لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «خَمْسٌ من الدَّوَابِّ لَيْسَ على المُحْرِمِ في قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الغُرَابُ، والحدَأةُ، والعَقْرَبُ، والفَأرَةُ، والكَلْبُ العَقُورُ» .
وقال - عليه السلام -: «يَقْتُلُ المُحْرِمُ السَّبُعَ العادِي» .
وقال سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَة: الكَلْبُ العَقُورُ: كلُّ سَبُع يعْقر ومِثْلُه عن مَالِكٍ، وذهبَ أصْحَابُ الرَّأي إلى وُجُوبِ الجَزَاءِ في قَتْلِ ما لا يُؤكَل لَحْمُهُ، كالفَهْدِ، والنمرِ، والخِنْزِيرِ، ونحوها إلاَّ الأعيان المَذكُورة في الخَبَرِ، وقَاسُوا عليْهَا: الذِّئْبَ، ولَمْ يوجِبُوا فيه الكَفَّارَة.
فأمَّا المُتَولِّد من المأكُولِ وغيره، فَيَحْرُمُ أكْلُهُ، ويَجِبُّ فيه الجَزَاءُ؛ لأنَّ فيه جَزَاءً من الصَّيْدِ، واختَلَفُوا في الصَّيْدِ الذي يَصِيدُه الحلالُ هل يُحَرَّمُ على المُحْرِمِ؟
فقال عليٌّ، وابنُ عباسٍ، وابنُ مَسْعُود، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وطاوُسٌ: إنَّه حرامٌ على المُحْرِم بكُلِّ حالٍ، وهو قولُ الثَّوْرِي وإسْحَاق، لظاهِرِ الآية.
ورُويَ: أنَّ الحَارِثَ كان خَليفَة عُثْمَان على الطَّائِفِ، فَصَنَعَ لِعُثْمَان طَعاماً وصنع فيه الحَجَلَ: واليَعَاقِيبَ، ولُحُومَ الوُحُوشِ، فبعَثَ إلى عليٍّ بن أبي طالبٍ، فجاءه الرَّسُولُ فقال عَلِيٌّ: أطعمُونا قُوتاً حلالاً [فإنا حُرُم] ، ثم قال علي: أنْشِدُ اللَّهَ من كان هَا هُنَا مِنْ أشْجَع، أتعلَمُون أنَّ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أهْدَى إليه رجلٌ حِمَاراً وَحْشياً، وهو مُحْرِمٌ فأبَى أن يأكُلَهُ، فَقَالُوا: نعم.

الصفحة 534