كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

بمعنى البُلُوغ، ويكون المعنى: ما عليه إلا البُلُوغُ بتبليغه، فالبلوغُ مُسْتلزمٌ للتبليغِ، فعبَّر باللاَّزمِ عن الملزوم.
قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب} لمَّا رغَّب - سبحانه وتعالى - في الطَّاعةِ، والتَّنَزُّهِ عن المَعْصِيَةِ بقوله: {اعْلَمُواْ أَنَّ اللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، ثمَّ أتْبَعَهُ بالتَّكليفِ بقوله تعالى: {مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ} {والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} ، أتْبَعَهُ بِنَوْعٍ آخَر من التَّرْغيبِ في الطَّاعَةِ وتَرْكِ المعْصِيَةِ، فقال: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب} .
قال المُفَسِّرُون: أي: الحَلالُ والحرَامُ.
وقال السدِّيُّ: المُؤمِنُ والكَافِرُ، وقيل: المُطِيع والعَاصِي، وقيل: الرَّدِيءُ والجيِّد.
قال القرطبي: وهذا على ضَرْبِ المثال، والصَّحِيحُ أنَّهُ عَامٌّ، فيتَصَوَّر في المكاسبِ، والأعمالِ، والنَّاس، والمعارف من العُلُومِ وغيْرِها، فالخَبِيثُ [من هذا كُله لا يُفلح ولا يُنجِبُ، ولا تَحْسن له عَاقِبةٌ] وإنْ كثُرَ، والطَّيِّبُ وإنْ قَلَّ نافعٌ.
[قوله تعالى] : {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث} .
نزلت في شُرَيْج بن ضُبَيْعَة البَكْري، وحجَّاجِ بن بكرِ بن وائل، «فاتَّقُوا اللَّه» ولا تتعرَّضُوا للحجَّاج وإنْ كانُوا مُشرِكِين، وقد مَضَتِ القِصَّةُ أوَّلَ السُّورَة {ياأولي الألباب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وجواب {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ} : محذوفٌ، أي: ولو أعْجبكَ كَثْرةُ الخبيثِ، لَما استوى مع الطَّيِّبِ، أو: لما أجْدَى شيئاً في المساواة.
في اتِّصال [هذه الآية] بما قَبْلَها وجوه:
أحدها: أنَّه تعالى لمَّا قال {مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ} [المائدة: 99] كأنَّه قال: ما بلَّغَهُ الرَّسُول إلَيْكُم، فَخُذُوهُ وكونوا مُنْقَادِين لَهُ، وما لم يُبَلِّغْهُ إليكم، فلا تسْألوا عنه، ولا تخُوضُوا فيه، فإنَّكُم إن خضتم فيما لا تكليف فيه عَلَيْكم، فربَّما جَاءَكُمْ بسبب ذلك الخَوْضِ من التَّكْلِيف ما يَثْقُل عليْكم ويَشُقُّ.

الصفحة 541