كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)
تحتُ، وضم الدال، «يَسُؤكُمْ» بفتح الياء من تحتُ، والفاعل ضميرٌ عائدٌ على ما يليق تقديره بالمعنى، أي: إنْ يَبْدُ لكُمْ جوابُ سؤالكُمْ أو سُؤلُكُمْ، يَسُؤكُمْ، ولا جائزٌ أن تعود على «أشْيَاء» ؛ لأنه جارٍ مجرَى المؤنَّث المجازيِّ، ومتى أسند فعلٌ إلى ضمير مؤنَّثٍ مطلقاً، وجبَ لَحَاقُ العلامة على الصحيح، ولا يُلتفتُ لضرورة الشعر، ونقل غيره عن الشعبيِّ؛ أنه قرأ: «يُبْدَ لَكُمْ يَسُؤكُمْ» بالياء من تحت فيهما، إلا أنه ضمَّ الياء الأولى وفتح الثانية، والمعنى: إن يُبْدَ - أي يُظْهَر - السؤالُ عَنْهَا، يَسُؤكُمْ ذلك السُّؤالُ، أي: جوابُهُ، أو هُوَ؛ لأنه سببٌ في ذلك والمُبْدِيه هو اللَّهُ تعالى، والضميرُ في «عَنْهَا» يحتمل أن يعود على نوعِ الأشياءِ المنهِيِّ عنها، لا عليها أنفسها، قاله ابن عطيَّة، ونقله الواحديُّ عن صاحب «النَّظمِ» ، ونظَّرهُ بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ} [المؤمنون: 12] يعني آدم، «ثُمَّ جعلْنَاهُ» قال «يعني ابنَ آدَمَ» فعاد الضميرُ على ما دلَّ عليه الأول، ويحتملُ أن يعود عليها أنْفُسِها، قاله الزمخشريُّ بمعناه.
قوله: {حِينَ يُنَزَّلُ القرآن} في هذا الظرفِ احتمالان:
أظهرهما: أنه منصوبٌ ب «تسْألُوا» ، قال الزمخشريُّ: «وإنْ تَسْألُوا عنها: عن هذه التكاليفِ الصعبةِ، حين يُنَزَّلُ القرآنُ: في زمانِ الوحي، وهو ما دام الرسولُ بين أظْهُرِكُمْ يُوحَى إليه تَبْدُ لكم تلك التكاليفُ التي تَسُؤكُمْ وتُؤمَرُوا بتحمُّلِها، فَتُعَرِّضُوا أنفسكُمْ لِغَضَبِ اللَّهِ؛ لتفريطكم فيها» ، ومن هنا قلنا: إنَّ الضمير في «عَنْهَا» عائدٌ على الأشياءِ الأولِ، لا على نوعها.
والثاني: أنَّ الظرف منصوبٌ ب «تُبْدَ لَكُمْ» ، أي: تَظْهَرْ لكم تلك الأشياءُ حين نُزُولِ القرآنِ، قال بعضهم: «في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ؛ لأنَّ التقدير: عن أشياءَ، إنْ تُسْألوا عَنْهَا، تُبْدَ لكم حين نُزولِ القرآنِ، وإن تُبْدَ لَكُمْ، تَسُؤكُمْ» ، ولا شك أن المعنى على هذا الترتيب، لا أنه لا يقالُ في ذلك تقديمٌ وتأخيرٌ، فإنَّ الواو لا تقتضي ترتيباً، فلا فرق، ولكن إنما قُدِّم هذا أولاً على قوله: «وإنْ تَسْألُوا» ؛ لفائدةٍ، وهي الزجرُ عن السؤالِ؛ فإنه قدَّم لهم أنَّ سؤالهم عن أشياء متى ظهرتْ، أساءتهم قبل أن يُخْبِرَهم بأنهم إنْ سألُوا عنها، بدتْ لهم لينزجرُوا، وهو معنًى لائقٌ.
قوله: {عَفَا الله عَنْهَا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه في محلِّ جرٍّ؛ لأنه صفةٌ أخرى ل «أشياء» ، ولا حاجة إلى ادِّعاء التقديم والتأخيرِ في هذا؛ كما قاله بعضهم، قال: «تقديرُه: لا تَسْألُوا عن أشْيَاءَ عفا الله عَنْهَا إنْ تُبْدً لَكُمْ إلى آخر الآية» ؛ لأنَّ كلاًّ من الجملتين الشرطيَتَيْنِ وهذه الجملة صفةٌ ل «أشْيَاء» ، فمِنْ أين أنَّ هذه الجملةَ مستحقةٌ للتقديمِ على ما
الصفحة 547
640