كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

عبَّاس، إلا أنه لم يذكُرْ في آخرها ذَكَراً، وقال بعضُهُمْ: «إذَا أُنْتِجَتِ الناقَةُ خَمْسَةَ أبْطُنٍ، نُظِر في الخامس: فإن كان ذَكَراً، ذبحوه وأكَلُوه، وإن كان أنثى، شَقُّوا أذنها وتركُوها تَرْعَى وتَرِدُ ولا تُرْكَبُ ولا تُحْلَبُ فهذه هي البَحِيرَةُ» ، ورُوِيَ هذا عن قتادة، وقال بعضهم: «البحيرَةُ: الأنثى الَّتِي تكونُ خَامِسَ بطنٍ؛ كما تقدَّم بيانُه، إلاَّ أنها لا يَحِلُّ للنساءِ لَحْمُها ولا لَبَنُها، فإن ماتَتْ حَلَّتْ لهن» ، وقال بعضُهُم: «البَحِيرَةَ: بِنْتُ السَّائبة» ، وسيأتي تفسيرُ «السَّائِبَة» ، فإذا ولدَتِ السائبةُ أنْثَى شقُّوا أذنها وتركُوها مع أمِّها ترعى وتَرِدُ ولا تُحْلَبُ ولا تُرْكَبُ حتَّى لِلْمُعْيِي، وهذا قولُ مجاهدٍ، وابنِ جُبَيْر، وقال بعضُهُمْ: «هِيَ التي مُنِعَ دَرُّهَا - أي لَبَنُهَا - لأجْلِ الطَّواغِيتِ، فلا يَحْلِبُهَا أحَدٌ» وقال بهذا سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ، وقيل: هي التي تُتْرَكُ في المَرْعَى بلا راعٍ، قاله ابنُ سيدة، وقيل: إذا ولدَتْ خَمْسَ إنَاثٍ شَقُّوا أذُنَهَا وتَرَكُوهَا.
نَقَلَ القُرْطِبِي عن الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنَّهُ قال: إذا أنْتَجَتِ النَّاقَةُ خَمْسَةُ أبْطُنٍ إناثٍ بُحِرَتْ أذُنُهَا، فحَرُمَتْ، قال: محرمة لا يَطْعمُ النَّاسُ لَحْمَها وقال بعضُهُمْ - ويُعْزَى لِمَسْرُوقٍ -: «إنَّهَا إذا وَلَدَتْ خَمْساً، أو سَبْعاً، شَقُّوا أذُنَهَا» ، وقيل: «هي الناقةُ تَلِدُ عَشرةَ أبْطُنٍ، فَتُشَقُّ أذنُها طُولاً بنصْفَيْن، وتُتْرَك؛ فلا تُرْكَبُ ولا تُحْلَبُ ولا تُطْرَدُ عن مرعى ولا ماءٍ، وإذا ماتَتْ، حَلَّ لحمها للرجالِ دون النساء» ، نقله ابن عطية، وكذا قاله أبو القاسم الرَّاغب، وقيل: البَحِيرَةُ السَّقْبُ، إذا وُلِدَ، نَحَرُوا أذنه، وقالُوا: اللَّهُمَّ، إنْ عاشَ، فَقَنِيٌّ، وإن مات، فَذَكِيٌّ، فإذا مات، أكلُوه، ووجه الجمع بين هذه الأقوالِ الكثيرة: أنَّ العربَ كانت تختلفُ أفعالُها في البحيرة.
والسائبةُ قيل: كان الرَّجُل إذا قَدِمَ من سفرٍ أو شُكْرِ نعمةٍ، سَيَّبَ بعيراً فلم يُرْكَبْ ويفعل به ما تقدَّم في البحيرَة، وهذا قول أبي عُبَيْد، وقيل: هي الناقة تُنْتَجُ عَشْرَة إناثٍ، قال القرطبيُّ: ليْس بينهن ذكرٌ؛ فلا تُرْكبُ ولا يَشْرَب لبنهَا إلا ضَيْفٌ أو ولدٌ، قاله الفراء، وقيل: ما تُرِكَ لآلهتهم، فكان الرجُلُ يجيء بماشيتهِ إلى السَّدنة فيتركه عندهم ويسيل لبنه، وقيل: هي الناقَةُ تُتْرَكُ ليُحَجَّ عليها حَجَّة، ونُقِلَ ذلك عن الشافعيِّ، وقيل: هو العبدُ يُعْتَقُ على ألاَّ يَكُونَ عليه ولاءٌ، ولا عَقْلٌ ولا ميراثٌ قاله عَلقَمَةُ.
والسَّائِبَةُ هنا: فيها قولان:
أحدهما: أنها اسمُ فاعلٍ على بابه، من سَابَ يَسِيبُ، أي يَسْرَحُ، كسَيَّبَ المَاءَ، وهو مطاوعُ سَيَّبْتُهُ، يقال: سَيَّبْتُهُ فَسَابَ وانْسَابَ.

الصفحة 553