كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

قوله {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول} أي] في تحليل الحَرْثِ والأنعامِ، وبيان الشرائع والأحكام، قالُوا: حَسْبُنَا ما وجدنَا عليه آباءَنَا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون وهذا رد على أصحاب التقليد.
قوله تعالى: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ} «حَسْبُنَا» مبتدأ، وقد تقدَّم أنه في الأصلِ مصدرٌ، والمرادُ به اسمُ الفاعل، أي: كَافِينَا، وتفسيرُ ابن عطية له ب «كَفَانَا» تفسيرُ معنًى، لا إعراب، و «مَا وَجَدْنَا» هو الخبر، و «مَا» ظاهرُها أنها موصولة اسميةٌ، ويجوز أن تكون نكرةً موصوفةً، أي: كَافِينَا الذي وجدنا، و «وَجَد» يجوز أن يكون بمعنى المُصَادفة، ف «عَلَيْهِ» يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أنه متعلق ب «وَجَدْنَا» وأنه متعدٍّ لواحد.
والثاني: أنه حال من «آباءَنَا» ، أي: وجدناهم مُسْتَقِرينَ عليه، ويجوز أن يكون بمعنى العلْمِ، فيتعدَّى لاثنين ثانيهما «عَلَيْهِ» .
وقوله: {أَوَلَوْ كَانَ} قد تقدَّم إعراب هذا في البقرة [الآية 170] ، وأنَّ «لَوْ» هنا معناها الشرط، وأنَّ الواوَ للحال، وتقدَّم تفسيرُ ذلك كلِّه؛ فأغنى عن إعادته، إلاَّ أنَّ ابن عطيَّة قال هنا: «ألِفُ التوقيفَ دخلَتْ على واو العَطْف» قال شهاب الدين: تسميةُ هذه الهَمْزةِ للتوقيفِ فيه غرابةٌ في الاصطلاحِ، وجعلَ الزمخشريُّ هذه الواو للحالِ، وابنُ عطيَّة جعلها عاطفةً، وتقدَّم الجمعُ بين كلامهما في البقرة، واختلافُ الألفاظِ في هاتين الآيتينِ - أعْنِي آيةَ البقرةِ، وآية المائِدَة - مِنْ نَحْو قوله هناك: «اتَّبِعُوا» وهنا «تَعَالَوْا» وهناك «ألْفَيْنَا» وهنا «وَجَدْنَا» من باب التفنُّن في البلاغة.
واعلم: أنَّ الاقْتِدَاء إنَّما يَجُوزُ بالعالِمِ المُهْتَدِي، وهو الذي قولُهُ مَبْنِيٌّ على الحُجَّةِ والدَّليل، فإن لمْ يكُنْ كذلِكَ لم يَكُنْ عالماً مهتدياً، فلا يَجُوزُ الاقْتِدَاءُ به.
لمَّا بين أنَّ هؤلاء الجُهَّالِ لم ينتَفِعُوا بِشَيءٍ ممَّا تقدَّم من التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ، بل بَقُوا مُصِرِّين على جَهْلهم وضَلالِهم، قال: فَلا تُبَالوا أيّها المُؤمِنُون بجهالاتِهِم، بل كُونُوا مُنْقَادِين لتَكَالِيفِ اللَّهِ تعالى، فلا يضُّرُّكم ضلالَتُهُم.

الصفحة 557