كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)
قوله: «لا يَضُرُّكُمْ» قرأ الجمهور بضمِّ الراء مشددة، وقرأ الحسن البصريُّ: «لا يَضُرْكُمْ» بضم الضادِ وسكُونِ الراء، وقرأ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ: «لا يَضِرْكُمْ» بكسر الضادِ وسكون الراءِ، وقرأ ابو حيوة: «لا يَضْرُرُكُمْ» بسكون الضاد وضم الراء الأولى والثانية.
فأمَّا قراءةُ الجمهور: فتحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون الفعلُ فيها مَجْزُوماً على جوابِ الأمر في «عَلَيْكُمْ» ، وإنما ضُمَّتِ الراءُ إتباعاً لضمَّةِ الضَّادِ، وضمةُ الضادِ هي حركةُ الراء الأولى، نُقِلَتْ للضَّادِ [لأجلِ] إدغامها في الراء بعدها، والأصْلُ: «لا يَضْرُرْكُمْ» ، ويجوز أن يكون الجزمُ لا على وجه الجواب للأمرِ، بل على وجهِ أنه نهي مستأنفٌ، والعملُ فيه ما تقدَّم؛ وينصُرُ جواز الجزمِ هنا على المعنيين المذكورينِ من الجواب والنهْيِ: قراءةُ الحسنِ والنخَعِيِّ؛ فإنهما نَصٌّ في الجزْمِ، ولكنهما محتملتان للجَزْمِ على الجوابِ أو النهي.
والوجه الثاني: أن يكون الفعلُ مرفوعاً، وليس جواباً ولا نهياً، بل هو مستأنفٌ سِيقَ للإخبار بذلك، وينصرُه قراءةُ أبي حَيْوَةَ المتقدِّمةُ.
وأمَّا قراءةُ الحسن: فَمِنْ «ضَارَهُ يَضُورُهُ» كصَانَهُ يَصُونُهُ، وأما قراءة النخَعِيِّ فمِنْ «ضَارَهُ يَضِيرُهُ» كَبَاعَهُ يبيعُهُ، والجزم فيهما على ما تقدَّم في قراءة العامة من الوجهين، وحكى أبو البقاء: «لا يَضُرَّكُمْ» بفتح الراء، ووجهها على الجزم، وأن الفتح للتخفيفِ، وهو واضح، والجزم على ما تقدَّم أيضاً من الوجهين، وهذه كلُّها لغاتٌ قد تقدَّم التنبيهُ عليها في آل عمران [الآية 144] .
و «مَنْ ضَلَّ» فاعلٌ، و «إذَا» ظرفٌ محضٌ ناصبه «يَضُرُّكُمْ» ، أي: لا يَضُرُّكُمُ الذي ضَلَّ وقتَ اهْتِدَائِكُمْ، ويجوز أن تكون شرطية، وجوابُها محذوفٌ؛ لدلالةِ الكلام عليه، وقال أبو البقاء: «ويبعُدُ أن تكون ظرفاً ل» ضَلَّ «؛ لأنَّ المعنى لا يَصِحُّ معه» ، قال شهاب الدين: لأنه يصير المعنى على نفي الضرر الحاصل مِمَّنْ يضلُّ وقْتَ اهتدائهم، فقد يُتَوَهَّم أنه لا ينتفي عنهم ضَرَرُ من ضلَّ في غيرِ وقْتِ اهتدائِهِمْ، ولكنَّ هذا لا ينفي صِحَّة المعنى بالكليةِ كما ذكره.
فصل في سبب نزول الآية
في سببِ نُزُولِ الآيَةِ وُجُوهٌ:
الصفحة 559
640