كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)
يُعْتَبَرُ وصف قوله: {ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} ، وإن كان مغايراً لقوله» مِنْ غَيْركُمْ «، كما لا يُعتبر وصفُ الجنْسِ في قولك:» عِنْدِي رَجُلانِ اثْنَانِ مُسْلِمَانِ وآخَرَانِ كَافِرَانِ «؛ إذ ليس من شرطِ» آخَرَ «إذا تقدَّم أن يكون من جنْس الأول بقيدِ وصفه، وعلى ما ذكرته جاء لسانُ العربِ؛ قال الشاعر: [البسيط]
2068 - كَانُوا فَرِيقَيْنِ يُصْفُونَ الزِّجَاجَ عَلَى ... قُعْسِ الكَوَاهِلِ في أشْدَاقِهَا ضَخَمُ
وآخرِينَ تَرَى المَاذِيَّ فَوْقَهُمُ ... مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ أوْ مَا أوْرَثَتْ إرَمُ
التقديرُ: كانوا فريقين: فريقاً - أو ناساً - يُصْفُونَ الزجاج، ثم قال: «وآخرين تَرَى الماذِيَّ، ف» آخَرِينَ «من جنْس قولك» فَرِيقاً «، ولم يعتبره بوصفه بقوله» يُصْفُونَ الزِّجاج «؛ لأنه قَسَّم من ذكر إلى قسمين متباينين بالوصف متحدين بالجنْسِ» ، قال: «وهذا الفرقُ قَلَّ مَنْ يَفْهَمُهُ؛ فَضْلاً عَمَّنْ يَعْرفُهُ» .
وقوله: «أو» الظاهرُ أنها للتخْيير، وهو واضحٌ على القول بأن معنى «مِنْ غَيْرِكُمْ» : مِنْ غير أقارِبكُمْ من المسلمين، يعني: المُوصِي مُخَيَّرٌ بيْنَ أنْ يُشْهِدَ اثنَيْنِ من أقاربه، أو من الاجانب المسلمين وقيل: «أوْ» للترتيب: أي: لا يُعْدَلُ عن شاهدين منْكُمْ إلا عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وهذا لا يجيءُ إلا إذا قلنا: «مِنْ غَيْرِكُمْ» : من غير أهْلِ مِلَّتِكُمْ.
قوله: «إن أنْتُمْ» «أنْتُمْ» مرفوعٌ بمحذوفٍ يفسِّره ما بعده، وهي مسألة الاشتغالِ، والتقديرُ: إنْ ضَرَبْتمْ، فلما حُذِفَ الفعلُ، انفصلَ الضميرُ، وهذا مذهبُ جمهور البصريِّين، وذهب الأخْفَشُ منهم والكوفيُّون إلى جواز وقوعِ المبتدأ بعد «إن» الشرطيَّةِ؛ كما أجازوه بعد «إذَا» أيضاً، ف «ضَرَبْتُمْ» لا محلَّ له عند الجمهور؛ لكونه مفسِّراً، ومحلُّه الرفعُ عند الكوفيين والأخفش؛ لكونه خبراً؛ ونحوه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك} [التوبة: 6] ، {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] . وجوابُ الشرط محذوفٌ يدلُّ عليه قوله تعالى: {اثنان ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ} ، ولكنَّ تقدير هذا الجوابِ يتوقَّف على خلافٍ في هذا الشرط: هل هو قيدٌ في أصْلِ الشهادة، أو قيدٌ في {آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فقط؟ بمعنى: أنه لا يجوزُ العدولُ في الشهادة على الوصيَّة إلى أهلِ الذمةِ، إلا بشَرْطِ الضرب في الأرض، وهو السفر، فإن قيل: هو شرطٌ في أصْلِ الشهادةِ، فتقديرُ الجواب: إنْ ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ، فليشهد اثنانِ منْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ، وإنْ كان شرطاً في العدُولِ إلى آخَرَيْنِ من غير الملَّة، فالتقدير: فأشْهِدُوا آخَرَيْنِ من غَيْركم، أو فالشاهِدُ آخَرَانِ من غَيْرِكُمْ، فقد ظهر أنَّ الدَّالَّ على جوابِ الشرط: إمَّا مجموعُ قوله: «اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ ... إلى آخره» على القولِ الأوَّل، وإمَّا {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فقط على القولِ الثاني.
الصفحة 569
640