كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

ل» آخَرَانِ «؛ لأنه وإنْ كان نكرةً، فقد وُصِفَ، والأوْليانِ لم يَقْصِدْ بهما قَصْدَ اثنينِ بأعيانِهما» .
السابع: أنه مرفوعٌ على ما لم يُسَمَّ فاعله ب «اسْتُحِقَّ» ، إلاَّ أنَّ كلَّ مَنْ أعربه كذا، قَدَّر قبله مضافاً محذوفاً، واختلفتْ تقديراتُ المُعْرِبينَ، فقال مكي: «تقديرُه: استُحِقَّ عليهمْ إثْمُ الأوْلَيَيْنِ» ، وكذا أبو البقاء وقد سَبقَهما إلى هذا التقدير ابنُ جريرٍ الطَّبَرِيُّ، وقدَّره الزَمَخْشَرِيُّ فقال: «مِنَ الَّذِينَ استُحِقَّ علَيْهِمُ انتدَابُ الأوْلَيَيْنِ منْهُمْ للشَّهادَةِ لاطِّلاعِهِمْ عَلَى حقيقةِ الحَالِ» ، ومِمَّن ذهب إلى ارتفاعِ «الأوْلَيَانِ» ب «اسْتُحِقَّ» أبو عليٍّ الفارسِيُّ، ثم منعه؛ قال: «لأنَّ المُسْتَحَقَّ إنَّمَا يكُونُ الوصيَّة أو شيئاً منها، وأمَّا الأوليَانِ بالمَيِّتِ، فلا يجوزُ أن يُسْتَحَقَّا، فيُسْنَدَ استُحِقَّ إليهما» ، قلتُ: إنما منع أبو عليٍّ ذلك على ظاهرِ اللفظِ؛ فإنَّ الأوْلَيَيْنِ لَمْ يستحقَّهما أحدٌ كما ذَكَر، ولكن يجوز أن يُسْنَدَ «اسْتُحِقَّ» إليهما؛ بتأويلِ حذف المضافِ المتقدِّم، وهذا [الذي] منعه الفارسيُّ ظاهراً هو الذي حمل النَّاس على إضمار ذلك المُضافِ، وتقديرُ الزمخشريِّ ب «انْتِدَاب الأوْلَيَيْنِ» أحسنُ من تقدير غيره؛ فإنَّ المعنى يُسَاعِدُهُ، وأمَّا إضمارُ «الإثْم» فلا يَظْهر إلا بتأويل بعيدٍ.
وأجازَ ابن عطيَّة أن يرتفعَ «الأوْلَيَانِ» ب «استُحِقَّ» أيضاً، ولكن ظاهرُ عبارته؛ أنه لم يُقَدَّر مضافاً؛ فإنه استشعر بإستشكالِ الفارسيِّ المتقدِّم، فاحتالَ في الجواب عنه، وهذا نَصُّه، قال ما ملخَّصُه: إنَّه «حُمِلَ» اسْتُحِقَّ «هنا على الاستعارةِ؛ فإنه ليس استحقاقاً حقيقةً؛ لقوله:» اسْتَحَقَّا إثْماً «، وإنما معناه أنَّهم غَلَبُوا على المالِ بحُكْمِ انفرادِ هذا المَيِّت وعدمه؛ لقرابته أو أهل دينه؛ فجعل تسوُّرَهُمْ عليه استحقاقاً - مجازَاً، والمعنى: من الجماعة التي غابت، وكان منْ حَقِّها أنْ تُحْضِرَ وليَّها، فلمَّا غابَتْ وانفرد هذا الموصِي، استحقَّت هذه الحالَ، وهذان الشاهدانِ من غير أهْل الدِّين والولاية، وأمْرِ الأوْلَيَيْنِ على هذه الجماعة، فبُنِيَ الفعلُ للمفعولِ على هذا المعنى إيجازاً، ويُقَوِّي هذا الفرضَ تعديِّي الفعلِ ب» عَلَى «لمَّا كان باقتدارٍ وحَمْلٍ، هَيَّأتْهُ الحالُ، ولا يُقال: اسْتَحَقَّ منه أو فيه إلاَّ في الاسْتِحْقَاقِ الحقيقيِّ على وجههِ، وأمَّا» اسْتَحَقَّ عليْهِ «فالبحَمْلِ والغلبةِ والاستحقاقِ المُسْتَعَارِ» . انتهى، فقد أسند «اسْتَحَقَّ» إلى «الأوليان» من غير تقدير مضافٍ متأوِّلاً له بما ذكر، واحتملتُ طول عبارته؛ لتتَّضِحَ.
واعلم أنَّ مرفوع «اسْتُحِقَّ» في الأوجهِ المتقدِّمة - أعني غيرَ هذا الوجهِ، وهو إسنادُه إلى «الأوْليانِ» - ضميرٌ يعودُ على ما تقدَّم لفظاً أو سياقاً، واختلفت عباراتُهم فيه، فقال الفارسيُّ، والحُوفيُّ، وأبو البقاء والزمخشريُّ: إنه ضميرُ الإثْمِ، والإثمُ قد تقدَّمَ في

الصفحة 582