كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)
قوله: {يا عيسى ابن مَرْيَمَ} تقدَّم الكلامُ في اشتقاق هذه المفردات ومعانيها، و «ابْنَ مَرْيَمَ» صفة ل «عِيسَى» نُصِب؛ لأنه مضاف، وهذه قاعدةٌ كلية مفيدة، وذلك أنَّ المنادى المفردَ المعرفةَ الظاهرَ الضَّمَّةِ، إذا وُصِفَ ب «ابْن» أو «ابْنَة» ، ووقع الابنُ أو الابنةُ بين علمَيْنِ أو اسمَيْنِ متفقَيْنِ في اللفظِ، ولم يُفْصَل بين الابْنِ وبيْنَ موصوفه بشيء، تثبت له أحكامٌ منها: أنه يجوزُ إتْبَاعُ المنادى المضمومِ لحركةِ نُونِ «ابْن» ؛ فيُفتح؛ نحو: «يَا زَيْدَ [يا زَيْدُ] ابْنَ عَمْرٍو، ويَا هِنْدَ [يا هِنْدُ] ابْنَةَ بَكْرٍ» بفتح الدال من «زَيْد» و «هِنْد» وضمِّها، فلو كانت الضمةُ مقدَّرةً نحو ما نحن فيه، فإنَّ الضمة مقدَّرة على ألفِ «عيسَى» فهل يُقَدَّر بناؤُه على الفتْحِ إتباعاً كما في الضمَّة الظاهرة؟ فيه خلاف: الجمهورُ على عدمِ جوازه؛ إذْ لا فائدة في ذلك، فإنه إنما كان للإتباع، وهذا المعنى مفقودٌ في الضمَّة المقدرة، وأجاز الفراء ذلك؛ إجراءً للمقدَّر مُجْرَى الظاهرِ، وتبعه أبو البقاء؛ فإنه قال: «يَجُوزُ أن يكون على الألِفِ من» عيسَى «فتحةٌ؛ لأنه قد وُصِفَ ب» ابْن «وهو بين عَلَمَيْنِ، وأن يكونَ عليها ضمَّةٌ، وهو مثلُ قولك:» يَا زَيْدَ [يا زَيْدُ] بْنَ عَمْرٍو «بفتح الدال وضمِّها» ، وهذا الدي قالاه غيرُ بعيدِ، ويَشْهَدُ له مسألةٌ عند الجميع: وهو ما إذا كان المنادَى مبنيًّا على الكسرِ مثلاً؛ نحو: «يَا هَؤلاءِ» ، فإنهم أجازوا في صفته الوجهيْن: الرفع والنصب، فيقولون: «يا هَؤلاءِ العُقلاَءِ والعُقَلاءُ» بنصب العقلاء ورفعها، قالوا: والرفعُ مراعاةً لتلك الضمة المقدَّرة في الإتباع، وإنْ كان ذلك فائتاً في اللفظ، وقد يُفَرَّقُ بأنَّ «هؤلاءِ» نحن مضطُّرون فيه إلى تقدير تلْكَ الحركةِ؛ لأنه مفرد معرفةٌ، فكأنها ملفوظٌ بها بخلافِ تقديرِ الفتحة هنا.
وقال الواحديُّ في «يَا عيسَى» ويجوزُ أن [يكونَ] في محلِّ النصب؛ لأنه في نية الإضافة، ثم جعل الابن توكيداً له، وكل ما كان مثل هذا؛ جَازَ فيه الوجهانِ؛ نحو: «يَا زَيْدَ [يا زَيْدُ] بْنَ عَمْرٍو» ؛ وأنشد: [الرجز]
2083 - يَا حَكَمَ ُ بنَ المُنْذِرِ بْنِ الجَارُودْ ... أنْتَ الجَوادُ ابْنُ الجَوَادِ ابْنُ الْجُودْ
سُرَادِقُ المَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ ... بنصب الأول ورفعه على ما بَيَّنَّا، وقال التبريزيُّ: الأظهرُ عندي أنَّ موضع «عِيسَى» نصب؛ لأنك تجعلُ الاسم مع نعتِه إذا أضفته إلى العلمِ كالشيء الواحد المضافِ، وهذا الذي قالاه لا يُشْبِهُ كلام النحاة أصلاً، بل يقولون: الفتحةُ للإتباعِ، ولم يُعْتَدَّ بالساكنِ؛ لأنه حاجزٌ غيرُ حَصِينٍ، كذا قال أبو حيان: قال شهاب الدين: الذي قد قاله الزمخشريُّ - وكونه ليس من النحاة مُكَابَرَةٌ في الضَّرُوريَّاتِ - عند قوله: {إِذْ قَالَ
الصفحة 597
640