كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

وقال سَعِيدُ بن جُبَيْر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -، عن ابنِ عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: أنْزَلَ على المَائِدَة كُلَّ شيءٍ إلاَّ الخُبْزَ واللَّحْمَ.
قال قَتَادَةُ: كان عليها ثَمَرٌ من ثِمَار الجَنَّةِ.
وقال عَطِيَّة العوفي: نَزَلَتْ من السَّمَاء سَمَكَةٌ فيها طَعْمُ كُلِّ شَيْء.
وقال الكَلْبِيُّ: كان عَلَيْهَا خُبْزُ رُزٍّ، وبَقْلٌ.
وقال وَهْبُ بن مُنَبِّه: أنْزَلَ اللَّهُ - تبارك وتعالى - قُرْصَةً من شَعِيرٍ وحِيتَاناً، فكان قَومٌ يأكُلُون ثم يَخْرجُون، ثُمَّ يَجِيءُ آخَرُون فَيَأكُلُون، حتَّى أكَل أجْمَعُهُم.
وقال الكَلْبِيُّ ومُقَاتِل: أنْزَلَ اللَّهُ سَمَكاً وخَمْسة أرْغِفَةٍ، فأكَلُوا ما شاء اللَّهُ، والنَّاسُ ألْفٌ ونَيفٌ، فلمَّا رَجَعُوا إلى قُرَاهُم، ونَشَرُوا الحَديث، ضحكَ مِنْهُم مَنْ لم يَشْهَد؛ وقالُوا: ويْحَكُم، إنَّما سَحَر أعْيُنَكُم، فمن أرَادَ اللَّهُ به تعالى الخَيْرَ ثَبَّتَهُ على بَصِيرتِهِ، ومن أرادَ فِتْنَتَهُ رجَعَ إلى كُفْرِه، فَمُسِخُوا خَنِازِيرَ ليْسَ صَبِيٌّ ولا امْرَأةٌ، فَمَكَثُوا كَذَلِكَ ثلاثةَ أيَّامٍ، ثم هَلَكُوا، ولم يَتَوالَدُوا، ولم يَأكُلوا، ولَمْ يَشْرَبُوا، وكذلك كُلُّ مَمْسُوخٍ وقال قتادةُ: كانت تَنْزِلُ عليهم بُكرةً وعَشِيًّا، كالمَنِّ والسَّلْوى لِبَنِي إسْرَائِيل.
وروَى عطاءُ بنُ أبي رباحٍ، عن سَلْمان الفَارِسِيّ: لما سَأل الحَوَارِيُّونَ المائدة، لَبِسَ عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - صُوفاً وبَكَى، وقال: «اللهم أنزل علينا مائدة من السماء» ، فنزلت سُفْرَةٌ حَمْراء بين غَمَامَتَيْنِ، غَمَامَة من تَحْتِهَا، وغَمَامَة من فَوْقِهَا وهُمْ يَنْظُرُون إلَيْهَا، وهي تَهْوي خَافِضَة، حتَّى سَقَطَتْ بين أيديهمْ، فَبَكَى عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وقال: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من الشَّاكرين، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رحْمَةً ولا تَجْعَلْهَا عُقُوبَةً، واليَهُود يَنْظُرون إلى شَيْء لم يَرَوا مِثْلَهُ قَطّ، ولم يَجِدُوا رِيحاً أطيب من ريحهِ، فقال عيسى - عليه الصَّلاة والسَّلام -: لِيَقُمْ أحسَنُكُم عَمَلاً، فيكشف عنها، ويذكر اسم اللَّهِ تعالى، فقال شَمْعُون الصَّفَّار رَأسٌ من الحَواريِّين أنْتَ أوْلَى بذلك مِنَّا، فَقَامَ عيسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - فَتَوَضَأ وصلَّى وبكَى كَثِيراً، ثم كَشَفَ المِنْدِيل، وقال: بِسْم الله خير الرَّازِقين، فإذا سَمَكةٌ مشْويَّةٌ ليس عليها فلوسها ولا شَوْك تَسِيل من دَسِمِهَا، وعند رأسِها ملح وعنْد ذَنَبِها خلٌّ، وحولَهَا من أنْوَاع البُقُول مَا خَلاَ الكُرَّاث، وإذا خَمْسَةُ أرْغِفَةٍ على واحدٍ زَيْتُونٌ، وعلى الثَّاني عَسَلٌ، وعلى الثَّالِثَ سَمْن، وعلى الرَّابع جُبْنٌ، وعلى الخَامس: قَدِيدٌ، فقال شَمْعُون: يا رُوحَ اللَّه أمن طعامِ الدُّنْيَا هذا أوْ مِنْ طعامِ الآخِرة؟ قال: لَيْسَ مِنْهُمَا، ولكنَّهُ شَيْءٌ افْتَعَلَهُ اللَّهُ بالقُدْرَة العَالِيَة، كلوا ما سَألْتُم واشْكُرُوا اللَّه يُمْدِدكم ويَزِدْكُمْ من فَضْلِهِ.

الصفحة 616