كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)
قوله: «سُبْحَانَك» أي: تنزيهاً لك، وتقدَّم الكلام عليه في البقرة [الآية: 32] ، ومتعلَّقُه محذوفٌ، فقدَّره الزمخشريُّ: «سُبْحانَكَ مِنْ أن يكُونَ لك شَرِيكٌ» ، وقدَّره ابن عطية: «عَنْ أنْ يُقالَ هذا، ويُنْطَقَ به» ورجَّحَهُ أبو حيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - لقوله بَعْدُ: {مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ} . قوله: «أنْ أقُولَ» في محلِّ رفع؛ لأنه اسمُ «يكُونُ» ، والخبرُ في الجارِّ قبله، أي: ما يَنْبَغِي لي قولُ كذا، و «مَا» يجوزُ أن تكون موصولةً أو نكرةً موصوفةً، والجملةُ بعدها صلةٌ؛ فلا محلَّ لها، أو صفةٌ، فمحلُّها النصبُ، فإنَّ «مَا» منصوبةٌ ب «أقُولَ» نصب المفعول به؛ لأنها متضمِّنةٌ لجملة، فهو نظيرُ «قُلْتُ كلاماً» ، وعلى هذا فلا يحتاج أن يؤوَّل «أقُولَ» بمعنى «أدَّعِي» أو «أذْكُرَ» ، كما فعله أبو البقاء رَحِمَهُ اللَّهُ وفي «لَيْسَ» ضميرٌ يعودُ على ما هو اسمها، وفي خبرها وجهان:
أحدهما: أنه «لِي» ، أي: ما لَيْسَ مستقرّاً لي وثابتاً، وأمَّا «بِحَقٍّ» على هذا، ففيه ثلاثةُ أوجه، ذكر أبو البقاء منها وجهين:
أحدهما: أنه حالٌ من الضمير في «لي» .
قال: والثاني: أن يكون مفعولاً به، تقديره: ما ليس يَثْبُتُ لي بسببِ حقٍّ، والباءُ متعلِّقةٌ بالفعلِ المحذُوف، لا بنفسِ الجارِّ؛ لأنَّ المعانِيَ لا تعملُ في المفعول به. قال شهاب الدين: وهذا ليْسَ بجيِّدٍ؛ لأنه قدَّر متعلَّقَ [الخبر كوناً مقيَّداً، ثم حذفه، وأبقى معموله.
الوجه الثالث: أنَّ قوله «بحَقٍّ» متعلقٌ] بقوله: «عَلِمْتَهُ» ، ويكون الوقْفُ على هذا على قوله «لِي» ، والمعنى: فققد عَلِمْتَهُ بِحَقٍّ، [وقد رُدَّ] هذا بأنَّ الأصْل عدمِ التقديم والتأخير، وهذا لا ينبغي أن يُكتفى به في ردِّ هذا، بل الذي منه من ذلك: أنَّ معمول الشرط أو جوابه لا يتقدَّم على أداة الشرط، لا سيَّما والمَرْوِيُّ عن الأئمةِ القُرَّاءِ الوقفُ على «بِحَقٍّ» ، ويَبْتَدئُونَ ب {إِن كُنتُ قُلْتُهُ} ، وهذا مَرْوِيٌّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فوجَبَ اتِّباعه.
والوجه الثاني في خبر «لَيْسَ» : أنه «بِحَقٍّ» ، وعلى هذا، ففي «لِي» ثلاثةُ أوجه:
أحدها: أنه «يَتَبيَّنُ» ؛ كما في قولهم: «سُقْياً لَهُ» ، أي: فيتعلَّقُ بمحذوف.
والثاني: أنه حالٌ من «بِحَقٍّ» ؛ لأنه لو تأخَّر، لكان صفةً له، قال أبو البقاء: «وهذا مُخَرَّجٌ على قول من يجُوِّزُ تقديم حال المجرُورِ عليه» [قلتُ: قد تقدَّم لك خلافُ النَّاسِ فيه] ، وما أوردوه من الشواهد، وفيه أيضاً تقديمُ الحالِ على عاملها المعنويِّ، فإنَّ «
الصفحة 619
640