كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

السادس: أنها بدلٌ من «ما» نفسها أي: ما قلت لهم إلا أن اعبدوا.
السابع: أنَّ «أنْ» تفسيرية، أجازه ابن عطية والحوفي ومكي. وممن ذهب إلى جواز أنَّ «أنْ» بدلٌ مِنْ «ما» فتكونُ منصوبة المحلِّ أو من الهاء فتكونُ مجرورته أبو إسحق الزجاج، وأجاز أيضاً أن تكون تفسيريةً لا محلَّ لها. وهذه الأوجهُ قد منع بعضها الزمخشري، وأبو البقاء منع منها وجهاً واحداً وهو أن تكون تفسيرية، أما الزمخشري فإنه منع أن تكون تفسيرية إلا بتأويل ذكره وسيأتي، وبدلاً من «ما» أو من الهاء في «به» . قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «أنْ» في قوله: {أن اعبدوا الله} إنْ جعلتها مفسرةً لم يكن لها بُدٌّ من مفسِّر، والمفسِّر: إما أن يكون فعل القول أو فعل الأمر، وكلاهما لا وجه له؛ أما فعل القول فلأنه يُحْكى بعده الجمل ولا يتوسَّط بينه وبين محكيِّه حرفُ تفسير، وأما فعل الأمر فمستندٌ إلى ضمير الله تعالى، فلو فسَّرْتَه ب {اعبدوا الله ربي وربكم} لم يستقم لأن الله لا يقول: اعبدوا الله ربي وربكم، وإن جعلتها بدلاً لم يخلُ من أن تجعلها بدلاً من «ما» في {ما أمرتني به} ، أو من الهاء في «به» ، وكلاهما غيرُ مستقيم؛ لأنَّ البدل هو الذي يقوم مقام المبدلِ منه، ولا يُقال: ما قلتُ لهم إلا أن اعبدوا الله، أي: ما قلتُ لهم إلا عبادته لأنَّ العبادة لا تقال، وكذلك لو جعلتها بدلاً من الهاء، لأنك لو أقَمْتَ «أن اعبدوا» مقام الهاء [فقلت: إلا ما أمرتني بأن اعبدوا الله] لبقي الموصولُ بغير راجعٍ إليه من صلته، فإن قلت: كيف تصنع؟ قلت: يُحْمل فعلُ القول على معناه، لأنَّ معنى {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به} : ما أمرتُهم إلا بما أمرتني به، حتى يستقيم تفسيره ب {أن اعبدوا الله ربي وربكم} ، ويجوزُ أن تكون «أنْ» موصولةً عطفاً على بيانِ الهاء لا بدلاً.
وتعقَّب عليه أبو حيان كلامه فقال: «أمَّا قوله وأمَّا فعلُ الأمر إلى آخر المنع [وقوله:» لأنَّ الله لا يقول اعبدوا الله ربي وربكم «فإنما لم يستقمْ لأنه جعل الجملة وما بعدها مضمومةً إلى فعل الأمر، ويستقيم أن يكون فعلُ الأمر مفسَّراً بقوله:» اعبدوا الله «ويكون» ربي وربكم «من كلام عيسى على إضمار» أعني «أي:» أعني ربي وربكم «، لا على الصفة التي فهمها الزمخشري فلم يستقم ذلك عنده، وأمّا] قوله:» لأن العبادة لا تُقال «فصحيحٌ، لكن يَصِحُّ ذلك على حذفِ مضاف أي: ما قلت لهم إلا القول الذي أمرتني به قول عبادة الله تبارك وتعالى أي: القولَ المتضمن عبادة الله تبارك وتعالى، وأمَّا قوله» لبقي الموصول بغير راجع إليه من صلته «فلا يلزمُ في كل بدل أن يَحُلَّ محلَّ المبدل منه، ألا ترى إلى تجويز النحويين:» زيد مررت به أبي عبد الله «ولو قلت:» زيدٌ مررتُ بأبي عبد الله «لم يجز إلا على رأي الأخفش.
وأما قوله: «عطفاً على بيان الهاء» ففيه بُعْد، لأن عطفَ البيانِ أكثرُه بالجوامدِ الأعلامِ. وما اختاره الزمخشري وجوَّزه غيرُه لا

الصفحة 622