كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

عَلَى اليهودي، ثمَّ لما أطْلَعَهُ اللَّه على كَذِب أولَئكَ الشُّهُود، عَرَف أنَّ ذلك القَضَاء لو وَقَعَ، لكان خَطَأ في نَفْسِه، وإن كَانَ مَعْذُوراً عند اللَّه [- تعالى -] [فيه] .
الثالث: قوله: «واستغفر الله» يُحْتَمل أن يكُون المُرادُ: واستغفر الله لأولئك الَّذين يَذُبُّون عن طعمة، ويُرِيدون أن يُظْهِرُوا بَرَاءَته.
الرابع: قيل: الاسْتِغْفَار في حَقِّ الأنْبِياء بعد النُّبُوَّة على أحَدِ الوُجُوه الثَّلاثة: إما لِذَنْب تَقَدَّم قبل النُّبُوَّة، أو لِذُنُوب أمَّته وقَرَابتِه، أو لِمُبَاح جاء الشَّرْع بتحريمِهِ، فيتركه بالاسْتِغْفَار، والاسْتَغْفَار يَكُون مَعْناه: السَّمع والطَّاعة لحُكْمِ الشَّرْع.
ثم قال: {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الذين يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} أي: يَظْلمون أنفُسَهُم بالخِيَانَة والسَّرقة وقِبَلها.
أمر بالاسْتِغْفَار على طَرِيق التَّسْبِيحِ؛ كالرجل يَقُول: أسْتَغْفِر اللَّه، على وجْه التَّسْبِيح من غَيْر أن يَقْصِد تَوْبةً من ذَنْبٍ.
وقيل: الخِطَاب للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، والمراد: ابن أبَيْرقِ؛ كقوله: {ياا أَيُّهَا النبي اتق الله} [الأحزاب: 1] [وقوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ} [يونس: 94] والمراد بالذين يختانون طعمة ومن عاوَنَهُ من قَوْمِه، والاخْتِيَان: كالخِيَانَةِ؛ يقال: خَانَهُ واخْتَانَهُ، وقد تقدَّم عِنْد قوْله: {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] ، [وإنما قال لطعمة وللذَّابِّين عنه: إنهم يختَانُون أنفُسَهُم] ؛ لأن مَنْ قدم على المَعْصِيَة، فقد حَرَمَ نفسه الثَّوَابَ، وأوصَلَهَا إلى العِقَاب، فكان ذلك مِنْهُ خِيَانة لِنَفْسِهِ؛ ولِهَذا المَعْنَى، قيل لِمَن ظَلَم غيره: إنَّه ظلم نَفْسَه، وفي الآيَة تهديدٌ شَدِيدٌ على إعانَة الظَّالِم؛ لأن الله - تعالى - عاتب النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على همِّه بإعَانَة طعمة، مع أنَّه لم يَكُن عَالِماً بظُلْمِهِ، فكيف حَالُ من يَعْلم ظلم الظَّالِم، ويعينُه عَلَيْه.
ثم قال: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ} أي: لا يَرْضى عن {مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} يريد: خَوَّاناً في الدِّرْع، أثيماً في رَمْيه اليَهُوديَّ.
وقيل: إنَّه خطابٌ مع النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد به: غيره؛ كقوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ} [يونس: 94] .
فإن قيل: قوله - تعالى -: {مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} صيغة مُبالَغَة تَدُلُّ على تَكْرَار ذَلِكَ [الفِعْل مع أن الصَّادِر عَنْه خِيَانة وَاحِدَة، وإثمٌ واحدٌ.

الصفحة 7