كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 7)

بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} وقد تقدَّم الاسْتِدْلاَل على أنَّ صَاحِب الكَبِيرَةِ مُؤمِنٌ.
فصل
قالت المُعْتَزِلَة: دَلَّت هذه الآيةُ على أنَّه - سبحانه [وتعالى]- ما خَلَق خَلْقاً ابْتِدَاءً لأجْلِ التَّعْذِيب والعِقَابِ؛ لأن قوله: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} صريحٌ في أنَّه - تعالى - لَمْ يَخْلُق أحْداً لِغَرَضِ التَّعْذِيبِ.
ودلَّت أيضاً على أنَّ فاعل الشُّكْرِ والإيمانِ هو العَبْد، وليس ذلك فِعْلاً للَّه تعالى وإلا لَصَار التَّقْدِير: ما يَفْعَلُ اللَّه بعذَابِكُم بعد أن خَلَقَ الشُّكْرَ والإيمَانَ فِيكُم، وذلك غير مُنْتَظِم.
وتقدَّم الجوابُ عن مِثْلِ ذلك. ثم قال {وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً} أمرَهُمْ بالشُّكْرِ، وسَمَّى الجَزَاءَ شُكْراً، على سَبيلِ الاسْتِعَارةِ، فالشُّكْرُ من اللَّهِ هو الرِّضَا بالقَلِيلِ من عِبَادِهِ، وإضْعَافِ الثَّوَابِ عَلَيْه، والشُّكْر من العَبْدِ الطَّاعَة، والمُراد من كونه عَلِيماً: أنَّهُ عَالِمٌ بِجَميع الجُزْئيَّات، فلا يَقَعُ لَهُ الغَلَطُ ألْبَتَّة، فلا جَرَمَ يُوصلُ الثَّوَابَ إلى الشَّاكِرِ، والعِقَابَ إلى المُعرِضِ.
في كيفيَّة النَّظْمِ وجهانِ:
أحدهما: أنه - تعالى - لمَّا فَضَح المُنَافِقِين وهَتَك سِتْرَهُم، وكان هَتْكُ السِّتْر غَيْرَ لائقٍ بالرَّحِيم الكريم، ذكر - تعالى - ما يَجْري مَجْرَى العُذْرِ من ذَلِك؛ فقال: {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسواء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ} يعني: لا يُحبُّ إظهارَ الفَضَائِحِ، إلاَّ في حقِّ من عَظُمَ ضَرَرُه وكَثُر كَيْدُه ومَكْرُه، فَعِنْد ذلك يَجُوز إظْهَار فَضَائِحِه؛ ولهذا قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «اذْكُرُوا الفَاسِقَ بِمَا فِيهِ كَيْ يَحْذَرَهُ النَّاسُ» والمُنافِقُون قد كَثُر كيْدهُم

الصفحة 95