كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 7)

بِصِحَّةِ الْحَرَامِ، وَكُلُّ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا يَصِحُّ، فَلَا صِحَّةَ لَهُ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَحْدَهُ. دُونَ غَيْرِهِ.
1497 - مَسْأَلَةٌ:
فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي نَفْسِ مَا اشْتَرَى كَكَسْرٍ، أَوْ كَانَ الذَّهَبُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ بِطَبْعِهِ، وَالْفِضَّةُ كَذَلِكَ، كَالذَّهَبِ الْأَشْقَرِ وَالْأَخْضَرِ بِطَبْعِهِ.
فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ السَّلَامَةَ فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ غَيْرَ مَا اشْتَرَى، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَالُ غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ بَيْعًا.
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ السَّلَامَةَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْسَاكِ الصَّفْقَةِ كَمَا هِيَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ، وَإِمَّا فَسْخُهَا كُلِّهَا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَيْنَ، فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ ثُمَّ وَجَدَ غَبْنًا، وَالْغَبْنُ إذَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ وَعَرَفَ قَدْرَهُ جَائِزٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ.
وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَاضَ الْبَيْعَ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا عَلَى جَمِيعِهَا، فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ مَا تَرَاضِيًا بِهِ مَعًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»
فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إلَّا مَا تَرَاضِيًا بِهِ مَعًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْخَلْفُ وَالسَّلَفُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثِ بْنِ الْأَشْعَثِ الْحَرَّانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يَشْتَرِي الدَّرَاهِمَ وَيَشْتَرِطُ إنْ كَانَ فِيهَا زَائِفٌ أَنْ يَرُدَّهُ: أَنَّهُ كَرِهَ الشَّرْطَ، وَقَالَ: ذَلِكَ لَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ.
قَالَ عَلِيٌّ: ظَاهِرُ هَذَا رَدُّ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَدَّ الزَّائِفِ وَحْدَهُ لَذَكَرَ بُطْلَانَ مَا قَابَلَهُ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ فِي سَائِرِ الصَّفْقَةِ، أَوْ لَذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ كُلَّهُ شَيْئًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ قَوْلُنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى قَالَ: زَعَمَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَأَخْطَئُوا فِيهَا بِدِرْهَمٍ سَتُّوقٍ فَكَرِهَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْحَاضِرِينَ قَالَ بِهِ، وَلَا نَعْلَمُ الْآنَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.

الصفحة 460