كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 7)

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَيْسَتْ بَيْعًا، إنَّمَا هِيَ فَسْخُ بَيْعٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْعٌ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخُ بَيْعٍ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهَا بَيْعٌ.
وَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فَسْخُ بَيْعٍ: فَأَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي يُوسُفَ فَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَقْسِيمٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَيْسَتْ بَيْعًا، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا بِاسْمِ الْإِقَالَةِ، وَاتَّبَعَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُسَمِّهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْعًا، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الدِّينِ لَا تُؤْخَذُ إلَّا عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى بَيْعًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُسَمِّهَا هَذَا الِاسْمَ.
وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ، وَالْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَاتَيْنِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتِجَاجُهُمْ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَوْلُهُمْ حَقٌّ، إلَّا أَنَّنَا لَا نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمَّى إقَالَةً: فِعْلَ مَنْ بَاعَ مِنْ آخَرَ بَيْعًا ثُمَّ اسْتَقَالَهُ فِيهِ، فَرَدَّ إلَيْهِ مَا ابْتَاعَ مِنْهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُسَمِّ ذَلِكَ بَيْعًا، وَلَا يَجِدُونَ هَذَا أَبَدًا، لَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ وَهَذَا الْخَبَرُ الْمُرْسَلُ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ لَوْ شِئْنَا أَنْ نَسْتَدِلَّ مِنْهُ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ لَفَعَلْنَا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا مَنْ أَشْرَكَ، أَوْ وَلَّى، أَوْ أَقَالَ فَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهَا بُيُوعٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْبُيُوعِ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا فِيهِ الْحَضُّ عَلَى الْإِقَالَةِ فَقَطْ، وَالْإِقَالَةُ تَكُونُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ، لَكِنْ فِي الْهِبَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَلَا فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تُسَمَّى بَيْعًا، وَلَا لَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فَبَطَلَ مَا صَدَّرُوا بِهِ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ الصَّحِيحِ أَصْلَهُ الْمَوْضُوعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَاطِلٌ، وَإِقْدَامٌ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْأُمَّةِ، وَمَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ قَطُّ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ، فَكَيْفَ عَلَى الْإِقَالَةِ فِيهِ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ،

الصفحة 484