كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 7)

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ ثَمَنِ شَيْءٍ مِنْ الْكِلَابِ غَيْرَ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالنَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ سَائِرِهَا وَهُمْ يُبِيحُونَ أَثْمَانَ سَائِرِ الْكِلَابِ الْمُتَّخَذَةِ لِغَيْرِ الصَّيْدِ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ.
وَأَمَّا النَّظَرُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهَا حِينَ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا، فَلَمَّا حُرِّمَ قَتْلُهَا وَأُبِيحَ اتِّخَاذُ بَعْضِهَا انْتَسَخَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْبَاطِلِ، وَبِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصٌّ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَيْسَ نَسْخُ شَيْءٍ بِمُوجِبِ نَسْخِ شَيْءٍ آخَرَ، وَلَيْسَ إبَاحَةُ اتِّخَاذِ شَيْءٍ بِمُبِيحٍ لِبَيْعِهِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَوْمُ الْمُبِيحُونَ اتِّخَاذَ دُودِ الْقَزِّ، وَنَحْلِ الْعَسَلِ، وَلَا يُحِلُّونَ ثَمَنَهُمَا إضْلَالًا وَخِلَافًا لِلْحَقِّ، وَاِتِّخَاذُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حِلٌّ، وَلَا يَحِلُّ بِيَعُهُنَّ: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الِاحْتِجَاجِ.
وَقَالُوا: حُرِّمَ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ، فَلَمَّا نُسِخَ تَحْرِيمُ كَسْبِ الْحَجَّامِ نُسِخَ تَحْرِيمُ ثَمَنِ الْكَلْبِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَكَلَامٌ فَاسِدٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ.
وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا: أَنْ يُنْسَخَ أَيْضًا تَحْرِيمُ مَهْرِ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ مَعَهُمَا، ثُمَّ مَنْ لَهُمْ بِنَسْخِ تَحْرِيمِ كَسْبِ الْحَجَّامِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْآثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ، وَصَاحِبَيْنِ لَا يَصِحُّ خِلَافُهُمَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
فَإِنْ ذَكَرُوا قَضَاءَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِقِيمَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا، وَلَا ثَمَنًا، إنَّمَا هُوَ قِصَاصُ مَالٍ عَنْ فَسَادِ مَالٍ فَقَطْ، وَلَا ثَمَنَ لِمَيِّتٍ أَصْلًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُمَا كَرِهَا ثَمَنَ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، وَكَرِهَا ثَمَنَ الْهِرِّ وَأَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَقَدْ خَالَفُوهُمَا فِي ثَمَنِ الْهِرِّ كَمَا تَرَى.

الصفحة 496